قبل نحو 300 مليون سنة، غمرت البحار مساحات شاسعة من الأرض والتي كانت تتكون في معظمها من الغابات، أدى ذلك إلى دفن وضغط النباتات والطحالب تحت أوزان الوحل والغطاء النباتي، وهو ما كوّن الفحم الحجري، كيف؟
كلما انخفضت بقايا النباتات نحو الأسفل تحت سطح الأرض، ارتفعت درجات حرارة وزاد الضغط، وتسمى المناطق التي تستقر فيها بقايا النباتات بـ "الخث"، وفي طَوْر تكونه، يخضع الفحم الحجري على مدى ملايين السنين، لمراحل عديدة من عملية تسمى "التفحيم - carbonization"، والتي تحدث تحت تأثير حرارة وضغط شديدَين، بحيث تنضغط _ بالمعدل _ كل طبقة تتكون من ثلاثة أمتار (3m) من بقايا النباتات مكونة طبقة من متر واحد 1m) من الفحم الحجري.
ولمّا كانت درجة انضغاط بقايا النباتات متفاوتة، فإن ذلك أوجد صيغ متعددة لاحتراق الكربون؛ فدرجة الحرارة والضغط إضافة لاختلاف المواد المتفاعلة؛ أنتج صيغة غنية وأخرى فقيرة بالكربون، فمثلًا، عند حرق الفحم في جوّ شحيح بالأكسجين، سيتكون أول أكسيد الكربون:
2C + O2 = 2CO
أما عند حرق الفحم في جوّ غني بالأكسجين، سيتكون ثاني أكسيد الكربون:
C + O2 = CO2
كذلك، تلعب درجة الحرارة دورًا في تصنيف أنواع الفحم الحجري وذلك تبعًا لقانون هيلت، بأنه ’’كلما وجدت طبقة من الفحم الحجري على عمق أكبر تحت سطح الأرض ارتفع تصنيفه’’، أي أنه كلما زاد العمق زادت درجة الحرارة وشدة الضغط، ما يسمح لبقايا النباتات بالتحول إلى كربون أكثر، والملاحظ مما سبق، أن الفحم الحجري سواء أكان نباتي أو حيواني، يُمثّل صور متأصله للكربون ذو الرمز الكيميائي C، أي أنها ذات خصائص كيميائية متشابهة، ولكنها تختلف في الخواص الفيزيائية.
ولكن، كيف أثّر اكتشاف الفحم الحجري على البيئة؟
ارتبط مصطلح "الثورة صناعية" باكتشاف الفحم الحجري، حيث تغيّرت ملامح الحضارة وبدأت مرحلة جديد باستحداث القطارات وإنشاء المصانع وإنتاج الكهرباء، كما لعب الفحم دورًا رئيسيًا في صناعة الفولاذ، ومع التنامي المضطرد لاستعمالات الطاقة، وشره الدول الصناعية لتحقيق الثروة الاقتصادية، زادت انبعاثات الكربون في الهواء، ولك أن تعلم أن الولايات المتحدة تنتج 50% من كهربائها اليوم باستخدام الفحم الحجري، ماذا يعني هذا؟
من المهم الإشارة إلى أن ثاني أكسيد الكربون يمثّل جزءً أساسيًا من الغلاف الجوي للأرض؛ فهو يمتص الحرارة ويساعد على الحفاظ على درجات حرارة معتدلة، وينتقل الكربون وثنائي أكسيد الكربون باستمرار بين الأرض والمحيطات والغلاف الجوي والكائنات الحية والمتحللة في دورة طبيعية، ويمكن للكربون أن يُخزَن تحت سطح الأرض ما يساهم في توازن الانبعاثات الكربونية الصاعدة للغلاف الجوي.
أما العملية المستمرة لإحراق الفحم الحجري، فتنتج غازات وجزيئات ضارة بالبيئة؛ حيث تستقر الكميات الكبيرة من الكربون عند استخراج الفحم وحرقه، في الغلاف الجوي، ما يؤثر سلبًا على المناخ ودرجات الحرارة والأنظمة البيئية، أشهر هذه الظواهر "الاحتباس الحراري"، ويُعتبر ثاني أكسيد الكربون (CO2 الغاز الرئيسي الناتج من عملية الإحراق، مما يخلّ بهذه الدورة، كما تنطلق غازات ضارة أخرى، مثل ثاني أكسيد الكبريت، وأكسيدات النيتروجين، ما يسبب أمطارًا حمضية، وأمراض الجهاز التنفسي.
إضافة إلى أن عملية احتراق الفحم الحجري تطلق الزئبق، الذي لا يشكل عنصر تهديد في الغلاف الجوي في البداية، ولكنه يصبح خطرًا إذا تحول إلى ميثيل الزئبق السام والذي يتراكم في الأسماك والكائنات المستهلكة لها مثل البشر، أيضًا، فإن الرماد المتطاير والرماد المترسب الناتجان عن عملية احتراق الفحم، يحتويان على جزيئات قد تكون سامة، مثل ثنائي أكسيد السيليكون وأكسيد الكالسيوم والزرنيخ والكادميوم.
من جهة ثانية، فإن الظروف الملائمة من حرارة وتهوئة وضغط إن وجدت، تمكن شقوق الفحم الحجري من الاشتعال تلقائيًا وأن تحترق تحت الأرض، كما يمكن للصواعق أن تشعل أجزاء مكشوفة من الفحم، ثم تنتقل الشرارة إلى حقل الفحم بالكامل، وهو ما يؤدي إلى كارثة حرائق الغابات، كذلك تطلق حرائق الفحم الحجري أطنانًا من الغازات الكربونية في الغلاف الجوي، وحتى إذا أُخمدَت الحرائق فوق سطح الأرض، فقد يواصل الفحم الاحتراق لسنوات دون علمنا، ما يسبب حرائقًا للغابات مجددًا.