ما هي الحكمة من عدم ذكر عدد أصحاب الكهف صراحة في القرآن الكريم

1 إجابات
profile/د-محمد-ابراهيم-ابو-مسامح
د. محمد ابراهيم ابو مسامح
ماجستير في التربية والدراسات الاسلامية
.
٠٥ مايو ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 الحكمة هي لأن معرفة عددهم العلم به لا ينفع والجهل به لا يضر، وهذا منهج القرآن الكريم في الحديث عن القصص القرآني فلم يحدد الأزمان ولا الأمكنة ولا عدد الأشخاص وأسماؤهم، لأن الهدف من القصص القرآني ليس معرفة هذه الأمور، إنما الهدف الحقيقي من وجود القصص القرآني هو:

أولاً: تسلية ومواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يثبت على الدعوة كما ثبت الأنبياء والرسل من قبله، وأن يصبر ويتحمل الأذى كما تحملوا في سبيل نشر دين الله تعالى في الأرض.

ثانياً: هي عبرة ودرس وموعظة للمؤمنين ولنا إلى يوم القيامة للنظر كيف كان مصير الأمم السابقة ممن كفروا بالله وبرسله، وكيف كان عاقبة المؤمنين بالله وبرسله عليهم الصلاة والسلام، وكيف صبروا أتباع الرسل على إيمانهم رغم أصناف الأذى والعذاب الذي تعرضوا له.

ثالثاً:
يقول الله تعالى في عدد أصحاب الكهف: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) {سورة الكهف: 22} فالله تبارك وتعالى لم ينف علمهم عن الناس جميعا بل أثبته لأولئك القلة،
وأما سبب إبهام الله تعالى لعددهم وإعراضه عنه فهو كما قال ابن كثير رحمه الله تعالى: اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام، تعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أقوال، حقق القولين وسكت عن الثالث، فدل على صحته؛ إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما، ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فقال في مثل هذا: (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ).

- والآية الكريمة السابقة بيّنت لنا عددهم وهم (سبعة وثامنهم كلبهم)
لأن الله تعالى أبطل القولين الأولين وسكت عن الثالث فدل على صحته: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ﴾ [الكهف: 22] هذا إبطال لهذين القولين أما الثالث فقال: ﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف: 22] ولم ينفه الله عز وجل وأما قوله: ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ﴾ [الكهف: 22] فلا يعني ذلك أن غير الله لا يعلم بها أي بالعدة وإنما يراد بذلك أن نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم-لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله سبحانه وتعالى ويكون في ذلك إرشاد للنبي-صلى الله عليه وسلم-أن يفوض العلم إلى الله ولو كان المعنى لا يعلم عدتهم أحد لكان مناقضاً لقوله: ﴿مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ [الكهف: 22] فإن الآية تدل على أن قليلاً من الناس يعلمون عدتهم وعلى هذا فعدتهم سبعة وثامنهم كلبهم وهؤلاء السبعة فتية آمنوا بالله عز وجل إيماناً صادقاً فزادهم الله تعالى هدى وفروا بدينهم حتى لجأوا إلى الكهف خوفاً على دينهم!
 

رابعاً: يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي في تفسير الآية التي تتحدث عن عدد أصحاب الكهف "لقد اختلف القوم في عدد أهل الكهف، منهم مَنْ قال: ثلاثة رابعهم كلبهم. ومنهم مَنْ قال: خمسة سادسهم كلبهم، وعلَّق الحق سبحانه على هذا القول بأنه {رَجْماً بِٱلْغَيْبِ}؛ لأنه قَوْل بلا عِلْم، مما يدلُّنا على خطئه ومخالفته للواقع. ومنهم مَنْ قال: سبعة وثامنهم كلبهم، ولم يعلق القرآن على هذا الرأي مما يدُّل على أنه الأقرب للصواب.
ثم يأتي القول الفَصْل في هذه المسألة: {قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ..} [سورة الكهف: 22]

- فلم يُبيّن لنا الحق سبحانه عددهم الحقيقي، وأمرنا أن نترك هذا لعلمه سبحانه، ولا نبحث في أمر لا طائل منه، ولا فائدة من ورائه، فالمهم أنْ يثبت أَصْل القصة وهو: الفتية الأشدّاء في دينهم والذين فَرُّوا به وضَحَّوْا في سبيله حتى لا يفتنهم أهل الكفر والطغيان، وقد لجأوا إلى الكهف ففعل الله بهم ما فعل، وجعلهم آيةً وعبرةً ومثَلاً وقدْوة.
أما فرعيات القصة فهي أمور ثانوية لا تُقدّم ولا تُؤخّر؛ لذلك قال تعالى بعدها: {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً..} [الكهف: 22] أي: لا تجادل في أمرهم"