ما هي الحكمة من تأخير الرزق عن العبد وما هو جزاء الصبر على ذلك

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
٢٠ مارس ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
أولاً : عليك أن تؤمن أن الله عليم حكيم ، ينزل ما يشاء بقدر ، وكل فعل من أفعاله تعالى له فيه حكمة ، فقد تنزه سبحانه عن العبث واللهو جل في علاه ، لم يخلق شيئاً باطلاً ، ولكن هذه الحكم قد يطلعنا الله على بعضها وقد يخفي عنا بعضها.

ثانياً: عليك أن تعلم أن كل عبد قد قسم الله له رزقه وهو في بطن أمه لما يرسل الملك لنفخ الروح فيه ويؤمر بكتابة أربع كلمات : رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد .
جاء في الحديث (  إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي ، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها ، وتستوعِبَ رزقَها..).
فرزقك الذي قدره الله لك آتيك لا محالة في الوقت الذي قدره الله لك .


ثالثاً : عليك أن تعلم أن حظوظ الدنيا وأرزاقها تقسم ابتلاءً وامتحاناً بينما حظوظ الآخرة تقسم جزاءً ، يعني أن رزقك في الدنيا وحظك منها ليس شرطاً أن يكون وفق عملك وسعيك ، بل الله يبتلي عباده في الدنيا بما يشاء ، فيبتلي هذا بالفقر وهذا بالغنى ، فلا يجوز لك أن تقول لماذا أعطى فلان وحرمني ! فهو سبحانه لا يسأل عما يفعل.

رابعاَ : أما الحكم التي قد تكون في تضييق الله الرزق على بعض عباده :
1. الابتلاء ليرى الله صبره ويظهر حقيقة نفسه.
2. أن يرفع درجاته بهذا البلاء ويكفر سيئاته.
3. أن يكون هذا العبد لا يصلحه إلا الفقر والمسكنة فلربما لو سع الله عليه رزقه لبطر وأشر وتكبر ، فيكون الغنى شرٌ له ، بينما الفقر يدفعه إلى التوبة والاستغفار وللجوء إلى الله سبحانه.

روي في الحديث الضعيف "ربما سألني وليي المؤمن الغنى، فأصرفه إلى الفقر، ولو صرفته إلى الغنى لكان شرا له، وربما سألني وليي المؤمن الفقر، فأصرفه إلى الغنى، ولو صرفته إلى الفقر لكان شرا له".

وقد روي في تفسير قوله تعالى في الآية رقم (75) من سورة التوبة ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ).
رويت أنها نزلت في " ثعلبة بن حاطب الأنصاري " ، حيث روي أنه كان فقيراً ملازماً للنبي عليه السلام فطلب من النبي أن يدعو الله أن يرزقه مالاً فكان النبي عليه السلام يقول له :
" ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه . قال : ثم قال مرة أخرى ، فقال : أما ترضى أن تكون مثل نبي الله ، فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال ذهبا وفضة لسارت .."
فلما تكرر طلب ثعلبة من النبي عليه السلام دعا له بكثرة المال ، فكثر ماله حتى خرج به خارج المدينة المنورة وصار يغيب عن الصلاة ، ثم كان من شأنه أن أرسل رسول الله إليه من يأخذ زكاة ماله فبخل بها وقال : ما هذه إلا أخت الجزية ، فأنزل الله فيه هذه الآية ، فندم ثعلبة وطلب من النبي عليه السلام أن يقبل زكاته فأبى عليه السلام حتى مات .


والشاهد من القصة أن الغنى كان شراً لهذا الرجل ولو بقي على فقره ورضي وصبر لكان خيراً له .


وقد ورد في فضل الصبر على الفقر أحاديث منها :

 ‏‏"‏يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم خمسمائة عام‏"‏‏.(رواه الترمذي وأحمد وغيرهما)

"‏اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء" (متفق عليه)


والله أعلم