ما هي الحكمة الإلهية من تعدد الأنبياء

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
١٣ يناير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
أولا : يجب أن تعلم أن جميع الأنبياء والمرسلين أرسلوا برسالة واحدة وهي توحيد الله في العبادة ، فكل واحد منهم جاء لقومه برسالة ( أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) ، وإنما التنوع كان في الشرائع أو الفروع العملية الفقهية .

قال تعالى ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ) ( الشورى ، 13 ) .

وقال تعالى : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )( النحل ، 36 ).

وفي الحديث المتفق عليه قال عليه الصلاة والسلام (أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، ليس بيني وبينه نبي، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد).

فالأب وهو الأصل ويعني هنا العقيدة واحد لا تعدد فيها ، وإنما التعدد في الشرائع.

ثانياً : أما الحكمة من تعدد إرسال الأنبياء وعدم الاقتصار على نبي واحد ، فيمكن أن يذكر في ذلك حكم كثيرة ، ولكن لعل أظهر تلك الحكم هو إظهار الحجة وتأكيدها وقطع المحجة والجدال والخصومة أمام الناس بأن يعتذروا بغفلتهم أو عدم معرفتهم أو عدم بلوغ العلم لهم .

فلا شك أنه لو اقتصرت النبوة على نبي واحد على طول تاريخ البشرية الطويل لطرأ على ذلك النسيان والغفلة واعتذار الناس بعدم معرفتهم مع طول الزمن وبعد العهد ، ولربما كان في ذلك شبهة لمعتذر أن يعتذر عن شركه وكفره ، فحتى يقطع الله هذه الحجة كرر إرسال الرسل ليكون ذلك أبلغ في التأكيد وأظهر في البيان .

قال تعالى (  رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) ( النساء )

وقال تعالى (  مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (15) ( الإسراء ).

وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( وَليسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ، مِن أَجْلِ ذلكَ أَنْزَلَ الكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ) . 

وقد ذكر الله هذه الحكمة في إرسال رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن الحكمة من ذلك حتى لا يعتذر معتذر بأنه لم يصلهم رسول ولم تبلغهم رسالة وأنهم لو أرسل إليهم رسول لكانوا أهدى من غيرهم وأحسن حالا ، فكان إرسال الرسول قطعا لتلك الحجة .
 
قال تعالى ( أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها ) [ الأنعام : 156 ، 157 ] 

قال تعالى ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ) (فاطر ، 42) .

- ومن الحكم الأخرى التي يمكن أن تقال أن في تكرار إرسال الرسل وتكرر المعجزات معهم ، زيادة بيان وظهور لحقيقة التوحيد وقدرة الله وألوهيته.

- ومنها أن في ذلك التكرار تصديقاً لبعضهم البعض فالسابق يبشر باللاحق ، واللاحق يصدق السابق ويؤكد رسالته ويشهد له  .

- ومنها أن فيها مزيد تثبيت للمؤمنين وطمأنة لنفوسهم .

بقي أن يقال لماذا إذن ختمت الرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم ولم يأت بعده رسول ؟

والجواب : أنه لما كان في علم الله أن هذه الأمة هي آخر الأمم بالنسبة إلى ما قبلها ، اقتضت الحكمة الإلهية أن يختم برسولها محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن في المقابل لم يترك الله هذه الأئمة بلا مرشد ولا دليل ولا قائد ولا هداية بعد وفاة نبيها ، وإنما تكفل بحفظ كتابها الذي هو معجزة نبيها وأساس الهداية والنور فلم يطاله أي تحريف ، وتكفل بحفظ سنة نبيها بأن هيأ العلماء الربانين الذي يذبون عن السنة ويحفظونها ويمزون صحيحها من ضعيفها .

فبحفظ القران والسنة صار النبي كأنه بين أظهرنا وبقي علينا المتابعة والانقياد ، فلا حجة لمعترض !

والله أعلم

  • مستخدم مجهول
قام 1 شخص بتأييد الإجابة