أولا : يجب أن نعلم أن الأنبياء معصومون فيما يتعلق في التبليغ عن الله بالإجماع ، فيستحيل أنه يقع منهم الخطأ أو النسيان أو تعمد الكذب في ذلك ، وهذا متفق عليه بين المسلمين .
ثانيا : لا يجوز على الأنبياء ولا يقع منهم كبائر الذنوب ، كالزنا والربا وشرب الخمر لأن ذلك يسقط الثقة بقولهم ، وكذلك ما يسميها العلماء ( صغائر الخسة ) وهي الذنوب الصغيرة التي تدل على خسة نفس صاحبها ودناءتها وهذا مما ينزه عنه مقام النبوة ولا يليق به كسرقة القليل ، واختلاس النظر إلى الحرام ونحو ذلك .
ومثل ذلك ما فيه إخلال بالمرؤوة وبعد عن مكارم الأخلاق فهذا مما يزري بمقام النبوة ويفقد صاحبه الجاه والمنزلة عند الناس .
ثالثاً : اما الصغائر التي لا يعد ارتكابها دالا على خسة صاحبها ، هذا مما اختلف فيه العلماء في وقوعه من الأنبياء ، والأرجح أنه يمكن أن يقع من الأنبياء ، ولكنهم لا يقرون على ذلك ، وإنما سرعان ما يتوبون ويستغفرون ويرجعون ، فلربما صار مقامهم بعد التوبة والاستغفار أعلى من مقامهم قبلها، فيرفهم الله بهذا درجات .
ومن ذلك ما وقع من آدم عليه السلام ، فقد نص القران على تسميته معصية فقال تعالى في سورة طه ( وعصى آدم ربه فغوى ، ثم اجتباه ربه وتاب عليه وهدى )
وتأويل بعض العلماء المعصية في الآية بالخطأ والنسيان بعيد ، ولا يتناسب مع سياق الآيات وباقي القصة ، وفي سورة الأعراف ( قالا ربنا ظلمنا انفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) ، فهذا اعتراف منهما بوقوع المعصية وظلم النفس .
وهذا ليس فيه إزراء أو قدح بمقام النبوة ،ما دمنا قلنا أنهم لا يقرون عليه وإنما يستغفرون وهذا يرفعون به درجات ، ولا يكون ذلك فيما فيه دناءة أو كبيرة .
رابعا : أما الخطأ والنسيان وتركهم الفاضل وفعل المفضول ، فهذا يقع من الأنبياء اتفاقا وعليه يحمل أكثر ما ذكر في حق الأنبياء من ذلك مما استغفروا منه وعدوه معصية في حقهم ، فهم لعظيم مقامهم وكبير إيمانهم كانوا يعتبرون أن ترك الفاضل الأولى وفعل المفضول ذنب في حقهم .
ومن ذلك :
- دعاء نوح على قومه بالهلاك العام ، ففي حديث الشفاعة يوم القيامة يعد نوح ذلك ذنيا يمنعه هذا المقام ، والواقع ان ذلك ليس بذنب ، ولكنه عده نوع من الاستعجال في الدعاء .
- كذبات إبراهيم الثلاث التي يعتذر بها عن الشفاعة يوم القيامة أيضا ، وهي في حقيقتها نوع من التورية والمعاريض للوصول إلى أمر شرعي محبوب إلى الله وهو ليس ممنوع في الشريعة ، ولكنه عليه السلام عدها مع ذلك ذنبا.
- قتل موسى عليه السلام للرجل القبطي ، مع انه كان كافرا ولكن لما يكن الله أمره بذلك عده ذنبا واستغفر منه .
-استعجال يونس عليه السلام بخروجه من قومه قبل أن يأمره الله بذلك ، وما جرى عليه من البلاء بعد ذلك .
- وما يذكر في حق نبينا عليه الصلاة والسلام في القران من ذلك مما فيه دعاء الله له بالمغفرة وبيان أن الاجتهاد الآخر كان أصوب وأرجح وأفضل ،كمثل :
- أخذه الفدية من أسرى بدر ، ثم نزول القران أن الأولى كان قتلهم .
- إذنه للمنافقين في غزوة تبوك قبل بيان الصادقين من الكاذبين.
والله أعلم