قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً}
قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} نهى الله -سبحانه وتعالى- عن الغلو. والغلو التجاوز في الحد، وفي هذه الآية ومما ذكره المفسرون غلو اليهود في سيدنا عيسى حتى قذفوا السيدة مريم، واتهموها ظلمًا وعدوًا.
قوله تعالى: {وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} أي لا تقولوا إن لله شريكا أو ابنا، أو صاحبة، سبحانه هو الله الواحد الأحد، ثم بين تعالى حال عيسى عليه السلام وصفته فقال: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ}
قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} أي آمنوا بأن الله إله واحد خالق البشر وخالق الرسل، ومنهم عيسى فلا تجعلوه إلها.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً}
يبين الله تعالى للناس أنه بعث لهم برهانًا يهديهم إلى الصراط المستقيم، وهو النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- والقرآن الذي أرسل معه تبيانًا للحق وهدى للناس.
قوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ، وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
والكلالة: هو أن يموت الرجلُ وليس له ولد ولا والد يرثانه.
وهذه الآية تبيّن ميراث الإخوة لغير أم، أي الأشقاء أو لأب، فإذا مات الميت، وكان يورث كلالة، لا والد له ولا ولد، فإن كان له أخت شقيقة، أو لأب: أخذت النصف. وإن كان له أختان فأكثر: أخذتا الثلثين، وإن كان له إخوة رجالا ونساء، اقتسموا المال للذكر مثل حظ الأنثيين.
قال ابن كثير -رحمه الله في تفسيره:
وقوله: (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) أي: والأخ يرث جميع ما لها إذا ماتت كلالة، وليس لها ولد، أي: ولا والد؛ لأنه لو كان لها والد لم يرث الأخ شيئا، فإن فرض أن معه من له فرض، صرف إليه فرضه؛ كزوج، أو أخ من أم، وصرف الباقي إلى الأخ؛ لما ثبت في الصحيحين، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر "
وفي نهاية الآية، يقول الله تعالى: (يبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
أي أن الله تعالى فرض لكم فرائضه، وشرع لكم أحكامه وحدوده، لئلا تضلوا عن الحق بعد بيانه، وأن الله تعالى هو الأعلم بعواقب الأمور ومصالحها لما فيه خير العباد في الدنيا والآخرة.
والله أعلى وأعلم.