الفن السيريالي أو رسائل العقل الباطن التي تجسد الفن بالوحات بصورة يعوزها النظام و المنطق لتأخذ المتلقي الى عالم ما فوق الواقع المرئي، و تتركه يسرح في خياله ويغوص في أعماق الرموز وتفاصيل الحكايا التي استنبطها الفنان من عالمه الداخلي.
تلك كانت بعضاً من صفات المدرسة السيريالية التي تميز فنانينها بالوحاتهم الغريبة ذات الأسلوب الصادم من ناحية المضمون والتشكيل، بكل بساطة يمكننا ان نصف هذا الفن بمزيج من خلط الجنون بالعبقرية.
طبعاً لا يمكننا ذكر المدرسة السيريالية دون ان نذكر اسم أكثر فنان مختلف، و استثنائي في فوضاه ونرجسيته، وابداعه وقدرته على تجسيد خياله و التعبير عن عالمه الداخلي الذي تتراكم فيه الصور المخالفة لقوانين الطبيعة، تلك الصفات اللامألوفة تندرج تحت اسم الفنان سلفادور دالي أحد أبرز فنانين، و مؤسسين المدرسة السيريالية.
ولعل لوحته إصرار الذاكرة من اكثر اللوحات التي تعجبني و يجذبني أسلوبها، و طريقة تكوين مختلف العناصر فيها، تلك اللوحة التي يظهر فيها عدد من الساعات التي تشير إلى الوقت، ولكن الغريب فيها هو الحالة التي عليها هذه الساعات بحيث انها في حالة مائعة و لينة، هذه اللوحة تخفي في طياتها العديد من الاسئلة ونجحت في إيصال الرسالة والهدف من الفن السيريالي بكل شفافية و إتقان، بحيث انها استطاعت إدخال المشاهد في حالة من التشتت والحيرة بسبب قدرتها على تجسيد نظرية النعومة والصلابة، بحيث ان ليونة الساعات و تعددها بالرسمة ترمز لنسبية المكان و الزمان، وإنكار الفنان لنظرية النسبية و المفاهيم الثابتة عن النظام الكوني وانهيارها امام خياله.
تحتوي هذه اللوحة على العديد من العناصر ولعل ما جذب انتباهي للوهلة الأولى هو ذلك الكائن الغريب ذو العين الواحدة و الاهداب الطويلة الذي يتوسط اللوحة غارقاً في سبات عميق؛ أتوقع ان دالي استخدمه لكي يجسد نفسه لأنه يتكرر في العديد من لوحاته الفنية.
والعنصر الأكثر أهمية في هذه اللوحة برأيي هو النمل الذي يغطي الساعة البرتقالية ويمكن أن القصد منه كان التآكل و الانحلال، وأيضاً جذع الزيتون الذي لايقل أهمية عن باقي العناصر في اللوحة بحيث يعبر عن شخصية الفنان من خلال تساقط أوراقه.
من وجهة نظري تلك اللوحة تعبر عن الزمن و تصور لنا عبثيته وعدم أهميته، بحيث تصف لنا الزمن بأنه زمن كئيب اجوف ويصف لنا الفنان نفسه وواقعه بصورة يسودها الظلام المحيط بأرجاء اللوحة ليعبر لنا عن الجفاف الروحي الذي يحيط به.
ان الحياة من وجهة نظر دالي قاحلة، و الزمان لا يستحق الإهتمام كل ذلك إستطاع تصويره من عالمه الداخلي، ونقله الى الواقع المرئي ليوصل رسالة روحه للعالم من داخل عقله الباطن.