الأمر ببر الوالدين أصل من أصول الشريعة ونصوصه كثيرة مشتهرة يحفظها الصغير والكبير ، أما السؤال عن أعظم صور البر وأشدها فليس هناك نص خاص بالموضوع ، وهو من الأمور النسبية التي قد تختلف باختلاف أنظار الناس ، فقد يعد البعض صورة معينة من أعظم الصور ويعد بعضهم غيرها أعظم .
ولكن لربما من أعظم القصص الواردة في بر الوالدين والتي كان فعلها سببا في استجابة دعاء فاعلها وتفريج كربته ، ما فعله أحد الثلاثة الذين أووا إلى الغار في سفرهم فسدت عليهم صخرة باب الغار فلم يجدوا بابا سوى دعاء الله بأعظم أعمالهم ، وكان من شأن أحدهم قصة عجيبة مع أبويه كما جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ( بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر ،فمالوا إلى غار في الجبل ،فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل ،فأطبقت عليهم ،فقال بعضهم لبعض : انظروا أعمالا عملتموها لله صالحة ،فادعوا الله بها لعله يفرجها ،فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ،ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم ،فإذا رحت عليهم فحلبت ،بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي ،وإنه ناء بي الشجر ،فما أتيت حتى أمسيت ،فوجدتهما قد ناما ،فحلبت كما كنت أحلب ،فجئت بالحِلاب ،فقمت عند رءوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما ،وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما ،والصبية يتضاغون عند قدمي ،فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر ،فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ،فافرج لنا فرجة نرى منها السماء ،ففرج الله لهم فرجة حتى يرون منها السماء ... ) .
فالشفقة على الوالدين وحفظهما وتقديم حقهما حتى على حق النفس لا شك أنه من أعظم صور البر .
ومن عظيم البر تذكر الوالدين بعد مماتهما وإجراء الأجر لهما :
روى أبو داود في سننه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله: هل بقي علي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: "نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما ".
فكثير من الناس بعد موت آباءهم يتذكرونهم فترة ثم يأخذهم النسيان ، فاستمرار الدعاء لهما وبرهما وتذكرهما بعد وفاتهما لا شك أنه دال على عظيم بر الولد بوالديه .
والله أعلم