القصص والنماذج كثيرة ولكن من النماذج الغريبة والجميلة والمشرقة في التوبة وحسن الخاتمة هي قصة المرأة الغامدية التي زنت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والغامدية امرأة متزوجة في الأصل ولكنها في لحظة شهوة غوت فوقعت في كبيرة الزنا، ولكن سرعان ما درها إيمانها وقرعها داعي التوبة والندم على ما أذنبت في هذه اللحظة،
لم تستطع أن تسكت هذه الداعي المتردد في نفسها وقلبها،
حر الذنب أحرقها ومرارة المعصية وثقلها أقضت مضجعها
لا تستطيع النوم ولا الراحة كيف وقد فعلت ما فعلت، فلم تملك نفسها حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي وتقول "يا رسول الله أصبت حداً فأقمه عليّ"!
تتعترف بلسانها بجرمها ومعصيتها وتطلب تطهير نفسها من هذا الذنب، وهي تعلم أن التطهير عن طريق إقامة الحد عليها وهي محصنة وحدها الرجم بالحجارة حتى الموت!
ومع ذلك تجدها تقف في ثبات طالبة بلسانها إقامة الحد عليها.
حاول رسول الله صلى الله عليه وسلم معها أن تستر نفسها وتكتفي بالتوبة فيا بينها وبين ربها فقال لها (ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه).
رسول الله يريد لها أن تتوب ولا تفضح نفسها فليس من شرط التوبة إقامة الحد،
وما دامت المعصية كانت في الخفاء فالستر أحب إلى الله،
لكن من كان حرارة الذنب كانت في قلب هذه المؤمنة أعظم من ذلك!
فتجيب قائلة: لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك فوالله إني حبلى من الزنا!
نعم هكذا بكل صراحة ووضوح وجلاء تقيم البينة على نفسها وتظهر الدليل على معصيتها، فلا يبقى أمام رسول الله إلا إقامة الحد عليها بعد أن عرض لها بالتوبة فأصرت على الحد،
لكنها حبلى من الزنا وما ذنب جنينها أن يموت معها،
فيأمرها رسول الله أن تذهب وترجع عندما تضع ولدها.
غابت شهوراً.. أتراها لو لم ترجع لكان رسول الله بحث عنها وشهر بها وأمر بجلبها؟
كلا بل لكان اكتفى بما حصل وأوكلها إلى إيمانها وتوبتها مع ربها،
ولكنها بعد شهور حملها وضعت ولدها ثم سارعت به إلى رسول الله تذكره الوعد لها "يا رسول الله قد وضعت فطهرني"!
جاء في بعض الروايات أن الرسول أمرها أن ترجع فترضع ولدها حتى تفطمه ويستغني عنها فترجع كأنها خسرت جائزة كانت تنتظرها،
لترضع ولدها حولين تسابق الشهور وهي ملتهفة إلى تلك اللحظة التي تفوز بها بالتطهير!
تخيل معي أي توبة حملتها هذه المرأة لتبقى حرارة المعصية في قلبها سنتين ونصف لا يطفئها شيء،
ولا تزداد مع مرور الأيام إلا رغبة في تلك اللحظة التي يزول فيه عن كاهلها ثقل تلك اللحظة التي غفلت فيها فعصت،
وإن كان ذلك برجمها وفيه موتها!
ترجع بعد سنتين ومع الولد كسرة خبز لتقول قد فطمته فطهرني!
فيعطي رسول الله الطفل لأحد المسلمين ليكون في كفالته،
ويا له من موقف رهيب عظيم،
كيف تترك ولدها الذي حملته وأرضعته وتقدم على تلك اللحظة التي فيها مفارقة روحها!
ولكن حلاوة في التوبة في قلبها تفوقت على كل تلك العواطف والمشاعر.
يأمر النبي بشد ثيابها عليها ثم ترجم بالحجارة حتى تموت،
ثم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام بها فتكفن ثم يصلي عليها.
يقول له عمر رضي الله عنه: أتصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟
فقال عليه الصلاة والسلام: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من جادت بنفسها لله تعالى!
فيا لها من توبة عظيمة وخاتمة حسنة بشهادة خير هذه البرية عليه الصلاة والسلام.