بدأ المسلمون يفكرون في فتح أوروبا ونشر الإسلام فيها من الجهة الشرقية من خلال محاولات المسلمين المتكررة لفتح القسطنطينية منذ خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، ولكن تأخَّر فتحها لحصانتها حتى أتَّم الله عز وجل فتحها على يد المجاهد المسلم القائد محمد الفاتح في عام 857 هـ الموافق 1453 م.
- وكان لدخول الإسلام إلى أوربا دور كبير في تقدمها علميًّا وحضاريًّا وأخلاقيًّا. وقد دخل عدد كبير من الأوروبين الإسلام بحكم الصلات التاريخية مع العالم الإسلامي؛مما أدَّى إلى ازدياد فرص التفهم لطبيعة الإسلام عند هؤلاء الأوربيين على اختلاف نزعاتهم الفكرية ومستوياتهم الاجتماعية.
- ولكن المسلمين في أوروبا يواجهون كثير من المشكلات وعلى رأسها:أولاً: الجهل بتعاليم الإسلام وأحكامه، كذلك الجهل بواقعهم الذي يعيشون فيه.
ثانياً: عدم وجود قيادة فكرية ناضجة تحتويهم.
ثالثاً: وجود الخلافات الداخلية مثل الخلافات العرقية والمذهبية.
رابعاً: كما يعانون من مخاطر الاغتراب الفكري والروحي.
خامساً: محاربة بعض الأنظمة الأوروبية للإسلام ولحجاب المرأة المسلمة كفرنسا وسويسرا وغيرهم.
سادساً: عدم الاعتراف بهم كدين رسمي مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا.
سابعاً: عدم تطبيق دينهم في ظلِّ مجتمع صناعي علماني اختفت منه المظاهر الدينية والروحية.
- أمَّا من جهة الغرب للقارة الأوروبية فقد تمكَّن القائد المسلم طارق بن زياد من فتح الأندلس في عام (91 هـ- 710 م)، وتوغَّل المسلمون في شبه جزيرة الأندلس وعبروها لفتح فرنسا، حيث اجتازت جيوش المسلمين جبال (البيرنييه) الفاصلة بين الأندلس وبين فرنسا، وتقدموا شمالاً إلى أن وصلوا إلى مدينة (بواتييه) الفرنسية، والتي جرت على مشارفها معركة (بلاط الشهداء) في عام (114 هـ - 723 م)، وقد انهزم جيش المسلمين في هذه المعركة هزيمة قاسية وقُتِل منه الكثير، وبهذه المعركة توقف المدّ الإسلامي للقارة الأوربية من هذه الجهة.
- وأصبح في الأندلس حضارة إسلامية أوروبية لم يشهد التاريخ مثلها! فقد كانت مركز إشعاع وتنوير في غرب أوربا، وقد أصبحت (مدينة طُلَيْطِلَة) التي استولى عليها الإسبان عام (478 هـ- 1085 م) مركزا مهمًّا وحيويًّا لنقل العلوم وترجمتها من العربية إلى اللاتينية، فكانت تُعَدُّ المنارة الهادية لطلاب العلم من كافة أنحاء أوربا الغربية والوسطى، وظلت (طليطلة) قرابة أربعة قرون المركز الثقافي والديني الأول في شبه جزيرة إسبانيا (الأندلس).
- أما من الجهة الجنوبية للقارة الأوربية، فقد تمكن المسلمون من فتح جزيرة سردينيا عام (95 هـ- 810 م)، ثم جزيرة كريت، ثم قام أسد بن الفرات بقيادة أسطول مسلم لفتح جزيرة صقلية المنفذ الجنوبي لأوربا الوسطى عام (212 هـ- 827 م)، وتم فتح (باليرمو) عام (216 هـ- 831 م).
- وقد حاول المسلمون فتح جنوبي شرقي أوربا عن طريق (القسطنطينية) منذ القرن الأول الهجري، ولكن تأخَّر فتحها لحصانتها حتى أتَّم الله عز وجل فتحها على يد المجاهد المسلم القائد محمد الفاتح في عام 857 هـ الموافق 1453 م، وتحقق في هذا القائد ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: "لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، فَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا". وقد اتخذ محمد الفاتح مدينة القسطنطينية عاصمة لدولته، وأطلق عليها اسم (إسلام بول) أي دار الإسلام، الذي حُرِّف بعدئذ إلى (إستانبول)، واستمرت المدينة عاصمة للبلاد حتى سقطت الخلافة العثمانية.
- ويعود الفضل بعد الله تعالى للخلافة العثمانية في فتح وسط أوربا؛ حيث فتح العثمانيون منطقة البلقان في عام (756 هـ- 1355 م)، ودانت لهم كل بلدان أوربا الوسطى الواحدة تلو الأخرى، فتم فتح بلغاريا في عام (774 هـ- 1372 م)، وفُتِحت بلاد الصرب في عام (788 هـ- 1386 م)، والبوسنة والهرسك في عام (792 هـ- 1389 م)، وكذلك كرواتيا وألبانيا وبلجراد وبلاد المجر. كما أن الجيوش العثمانية بقيادة السلطان سليمان القانوني وصلت إلى أسوار فيينا وحاصرتها في عام (936 هـ- 1529 م)، ولم تتمكن من فتحها كذلك بعد أكثر من مائة وخمسين عامًا في عام (1094 هـ- 1683 م) في عهد السلطان محمد الرابع.
- وقد بقيت معظم هذه الأراضي بيد المسلمين وتابعة للخلافة العثمانية طوال فترة قوتها، ولكنها بدأت تتفلَّت تدريجيًّا مع دخول الدولة العثمانية في مرحلة الضعف، ولم يبق للخلافة العثمانية في عام (1337 هـ- 1918 م) إلا مدينة إستانبول على أرض القارة الأوربية. وقد ترتب على بقاء هذه المناطق الأوربية لفترات طويلة في ظلِّ الخلافة العثمانية أن أصبحت مناطق بأسرها ذات أغلبية مسلمة، مثل:
مقدونيا، وألبانيا، والبوسنة والهرسك، والجبل الأسود، وجاليات إسلامية ضخمة في بلغاريا ورومانيا.ويرجع دخول أغلب سكان المناطق التي سيطر عليها العثمانيون في الإسلام إلى معاملة المسلمين لأهل هذه البلاد بالعدل والمساواة، فكان الشخص القروي الضعيف الفقير يستطيع أن يرتقي إلى أعلى المراكز وأكثرها نفوذًا في الإمبراطورية العثمانية، وهو شكل من أشكال العدالة الاجتماعية كان مستحيلاً في المجتمعات الأوربية المعاصرة للعثمانيين. كما حلَّ الأمن في هذه المناطق مكان الصراع والفوضى، واستفادت أوربا من التنظيم الدقيق للعسكرية التركية، وكذلك من النظم الإدارية التي تعتمد على الكفاءة بالدرجة الأولى.
- ولمزيد من التفاصيل انظر (
هنا)