أولاً : فضل الخشية من الله تعالى .
1-الأجر العظيم الذي أعده الله تعالى للذين يخشونه ، قال الله تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) سورة الملك:12.
- وقال تعالى : ( ولمن خاف ربه جنتان ) سورة الرحمن 46
2- دخول الجنة والنجاة من النار .
3- المبادرة إلى فعل الطاعات والمسارعة فيها ، وترك الذنوب والمعاصي الصغيرة والكبيرة منها .
4- نهي النفس عن هواها وإتباع الشيطان ولزوم طاعة الرحمن .
5- الزهد في الدنيا وحب الدار الآخرة .
6- التوفيق من الله تعالى في كل شؤون الحياة .
7- محاسبة النفس أول بأول وابتغاء رضى الله تعالى في القول والعمل .
-ثانياً : أما مجاهدة المعاصي وخاصة في الخلوات وطرق التخلص منها يكون من خلال النقاط التالية:
1- عليك بالدعاء لله تعالى والتضرع إليه ، بأن يصرف عنك الذنوب والمعاصي ، قال تعالى : (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) سورة البقرة186
2- عليك كذلك بمجاهدة نفسك ، ودفع وسوستها ، ومحاولة تزكيتها بطاعة الله ، قال تعالى : (ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها) الشمس/7 – 10 ، وقال تعالى : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) سورة العنكبوت/69 .
3- التأمل في تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من ذنوب الخلوة والسر ، كما جاء في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا) قال ثوبان : يا رسول الله صفهم لنا ، جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم ، قال : (أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) رواه ابن ماجه (4245) ، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" .
4- استشعار مراقبة الله تعالى ، ( درجة الإحسان ) وهي أن تعبد الله تعالى كأنك تراه! فإن لم تكن تراه فإنه يراك !
5- أن تتخيل من تعرفهم من الناس أو أهلك ينظرون إليك وأنت تفعل ذلك الذنب !
6- أن تستشعر الحياء من الله أكثر من استحيائك من الخلق , وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : (واستحي من الله استحياءك رجلاً مِنْ أهلكَ) صححه الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة"، وعزاه للبزار،والمروزي في"الإيمان" .
7- أن تتذكر الموت وتخيل لو أنه جاءك وأنت في حال فعل المعصية ، وارتكاب الذنب , فكيف ستقابل ربك وأنت في تلك الحال ؟! .
8- أنت تذكر ما أعده الله تعالى لعباده الصالحين من جنة عرضها السموات والأرض , والتفكر في عذاب الله تعالى ، قال تعالى : (أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فصلت/40 .
-ومفهوم الخشية: هي تقوى الله تعالى ومراقبته في السر والعلن (درجة الإحسان) ويكون ذلك بمعرفة جلال الله وهيبته ومخالفة هوى النفس والشيطان.
- وثمارها كثيرة، وأجمل القصص عن ثمارها ما يلي:
1- قصة الثلاثة الذين كانوا من قبلنا، كانوا في سفر، فأمطرتهم السماء، فأووا إلى غار، فجرف السيل صخرةً، فأطبقت على فم الغار، فأصبحوا كالمقبورين وهم أحياء، وعلموا أنه لا منجى من الله إلا إليه، فتقربوا بأفضل ما عملوه لله، فانفرجت الصخرة، وخرجوا يمشون، فقد جعل الله لهم من ضيقهم فرجًا، ومن بلائهم يسرًا. جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «خرج ثلاثة نفر يمشون، فأصابهم المطر، فدخلوا في غار في جبل، فانحطّت عليهم صخرة، قال: فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه. فقال أحدهم: اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت أخرج فأرعى، ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب، فآتي به أبويّ فيشربان، ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي، فاحتبست ليلة، فجئت فإذا هما نائمان، قال: فكرهت أن أوقظهما، والصبية يتضاغون عند رجليّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما، حتى طلع الفجر، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا فرجة نرى منها السماء، قال: ففرج عنهم. وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء، فقالت لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار، فسعيت فيها حتى جمعتها، فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقه، فقمت تركتها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة، قال ففرج عنهم الثلثين. وقال الآخر: اللهم إنك كنت تعلم أني استأجرت أجيرًا بفرق من ذرة فأعطيته، وأبى ذاك أن يأخذ، فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، حتى شريت منه بقرًا وراعيها، ثم جاء فقال: يا عبد الله أعطني حقي، فقلت: انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك، فقال: أتستهزئ بي؟ قال: فقلت: ما أستهزئ بك، ولكنها لك، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا، فكشف عنهم». متفق عليه.
2- كذلك قصة المرأة وابنتها في خلط الماء مع اللبن: وكان ذلك في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه - حيث خرج ذات ليلة مع خادم له يدعى أسلم ليفقد أحوال الرعية بالليل، ثم جلس ليستريح بجوار أحد الجدران فسمع امرأة تقول لابنتها يا بنيتي هيا قومي فاخلطي اللبن في الماء، فقالت الفتاة لوالدتها يا أماه أما سمعت ما قاله منادي أمير المؤمنين اليوم؟.
فقالت الأم لابنتها وما قاله منادي عمر، فقالت الابنة إنه أمر ألا يخلط اللبن بالماء، فقالت الأم لابنتها يا بنيتي قومي فاخلطي اللبن بالماء فإنك في موضع لا يراه عمر ولا منادي عمر، فردت الفتاة على والدتها والله يا أماه ما كنت أطيعه في العلن وأعصيه في الخفاء ، وإن كان عمر لا يرانا فإن الله سبحانه وتعالى يرانا.
3- وهناك قصة جميلة وطريفة ذكرها إبن كثير في تفسيره نقلها عن الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجل حكى عنه أبو بكر محمد بن داود الدينوري، قال هذا الرجل: كنت أكاري على بغل لي من دمشق إلى بلد الزَّبداني، فركب معي ذات مرة رجل، فمررنا على بعض الطريق، على طريق غير مسلوكة، فقال لي: خذ في هذه، فإنها أقرب، فقلت: لا خبرة لي فيها، فقال: بل هي أقرب، سلكناها، فانتهينا إلى مكان وعر ووادٍ عميق، وفيه قتلى كثير. فقال لي: أمسك رأس البغل حتى أنزل، فنزل وتشمَّر، وجمع عليه ثيابه، وسلَّ سكينًا معه وقصدني، ففررت من بين يديه وتبعني، فناشدته الله، وقلت: خذ البغل بما عليه، فقال: هو لي، وإنما أريد قتلك، فخوَّفته الله والعقوبة، فلم يقبل، فاستسلمت بين يديه، وقلت: إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين؟ فقال: عجِّل، فقمت أصلي، فأرتج عليّ القرآن، لم يحضرني منه حرف واحد، فبقيت واقفًا متحيرًا وهو يقول: هيه، افرغ، فأجرى الله على لساني قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62]، فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي، وبيده حربةٌ، فرمى بها الرجل، فما أخطأت فؤاده، فخَّر صريعًا، فتعلّقت بالفارس، وقلت: بالله من أنت؟ فقال: أنا رسول الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء. قال: فأخذت البغل والحمل ورجعت سالمًا.
4- كذلك من القصص اللطيفة في ثمار الخشية من الله تعالى ما ذكره ابن عساكر في ترجمة «فاطمة بنت الحسن أم أحمد العجلية»، قالت: «هزم الكفار يومًا المسلمين في غزاة، فوقف جواد جيِّدٌ بصاحبه، وكان من ذوي اليسار ومن الصلحاء، فقال للجواد: ما لك؟ ويلك! إنما كنت أعدُّك لمثل هذا اليوم. فقال له الجواد: وما لي لا أقصِّر، وأنت تكل علوفتي إلى السُّواس فيظلمونني ولا يطعمونني إلا القليل؟ فقال: لك عليّ عهد الله أني لا أعلفك بعد هذا اليوم إلا في حجري، فجرى الجواد عند ذلك ونجّى صاحبه، وكان لا يعلفه بعد ذلك إلا في حجره. واشتهر أمره بين الناس، وجعلوا يقصدونه ليسمعوا منه ذلك، وبلغ ملك الروم أمره، فقال: ما تضام بلدة يكون هذا الرجل فيها، واحتال ليحصِّله في بلده، فبعث إليه رجلاً من المرتدين عنده، فلما انتهى إليه أظهر له أنه قد حسنت نيّته في الإسلام وقومه، حتى استوثق، ثم خرجا يومًا يمشيان على جنب الساحل، وقد واعد شخصًا آخر من جهة ملك الروم ليتساعدا على أسره، فلما أكتفاه ليأخذاه رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم، إنه إنما خدعني بك، فاكفنيهما بما شئت، قال: فخرج سبعان إليهما فأخذاهما، ورجع الرجل سالمًا» [تفسير ابن كثير: 4/ 676].