الحديث صحيح: وهو الذي رواه الصحابي أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة". رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
-المقصود بالعتق من النار هو أن الله تعالى ينجي الصائمين من النار ويقّدر لهم ذلك عند وقت الإفطار يومياً من أيام رمضان- وهذا الوقت يجب على الصائم أن يستغله بالدعاء.
- ويكون تجهيز الطعام قبل الآذان بربع ساعة على الأقل وينشغل في هذا الوقت جميع أهل البيت بالدعاء لأنه وقت استجابة دعاء الصائم ونجاته من النار- ولكن الواقع وللأسف فإن جميع أفراد الأسرة يكونون منشغلين بإعداد الطعام والشراب وفي المطبخ وينشغلون عن استغلال هذا الوقت المبارك بالذكر والدعاء وسؤال الله تعالى بأن يعتقهم من النار.
- وقوله صلى الله عليه وسلم: (في كل ليلة) هو من باب التأكيد على العتق من النار يوميا - لأن قوله (عند كل فطر) يشمل جميع ليالي شهر رمضان المبارك.
- ويستفاد من هذا الحديث الشريف:
أولاً: بيان كثرة العتقاء من النار من الصائمين في جميع أيام شهر رمضان المبارك - وقلنا من الصائمين وليس جميع الصائمين - لأن بعضاً من الصائمين يصوم عن الطعام والشراب فقط أما الغيبة والنميمة والفحش من الكلام والنوم طوال النهار لا ينطبق عليه العتق من النار لأنه لم يحقق التقوى المقصودة من الصيام (لعلكم تتقون).
ثانياً: غفران الذنوب وقبول الطاعات والحفظ من المعاصي التي تسبب دخول النار.
ثالثاً: في هذا الحديث تشجيع وشحذ همم المسلمين بأن يكون صومهم خالصاً لوجه الله تعالى بعيداً عن المفطرات والشهوات.
رابعاً: الحرص على اغتنام الأوقات الفاضلة واستغلالها بالدعاء وسؤال الله تعالى إجابة الدعوات وقضاء الحاجات وتفريج الكربات خاصة قبل آذان المغرب بلحظات وقبل أذان الفجر في الثلث الأخير من الليل وقت السحور.
- ولعظيم منزلة الصوم فالله تعالى لم يحدد أجره بالضبط ولكنه قال: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عشرة أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره وهذا خاص فقط لركن الصيام.
- أتدري لماذا؟
- لأن الصوم هو العبادة الوحيدة التي ليس فيها رياء - ولهذا قال: "يدع شهوته من أجلي" فالله تعالى اختص الصوم له وأضاف الجزاء عليه لنفسه وهي إضافة تشريف وتعظيم.
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في تفسير هذا الحديث: لأن الأعمال الصالحة يضاعف أجرها بالعدد، الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة،
أما الصوم فإن الله أضاف الجزاء عليه إلى نفسه من غير اعتبار عدد، وهو سبحانه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، والعطية بقدر معطيها. فيكون أجر الصائم عظيما كثيرا بلا حساب. والصيام صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة من الجوع والعطش وضعف البدن والنفس، فقد اجتمعت فيه أنواع الصبر الثلاثة، وتحقق أن يكون الصائم من الصابرين. وقد قال الله تعالى: (إنما يوفى الصـابرون أجرهم بغير حساب) سورة الزمر/10.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من عتقاء شهر رمضان الفضيل.