يطلق على هذه الظاهرة اسم Déjà vu وهي كلمة فرنسية الأصل تعني "تمت رؤيته مسبقاً أو شوهد من قبل" وهي تصف حرفياً ما طرحته في سؤالك، حيث تطلق كلمة ديجافو على الشعور الذي يجتاحك بأنك قد مررت بنفس الموقف مسبقاً بحذافيره بينما لا تتذكر حقاً أنه حدث، وهي ظاهرة شائعة أكثر مما تتصور حيث أثبتت الدراسات أن أكثر من نصف العالم قد اختبر هذا الشعور حيث أنه من جهة لا ترتبط هذه الظاهرة بأي مشاكل صحية أو نفسية لدى الفرد ومن جهة أخرى لم يستطع العلماء التوصل إلى سبب مؤكد يقف خلف تفسير هذه الظاهرة إلّا أنهم توصلوا إلى مجموعة من النظريات التي تحتمل الخطأ والصواب في تفسيرها ومعظمها يدور حول فلك الذاكرة.
يستقبل الإنسان يومياً العديد من المثيرات الحسية من البيئة عن طريق الحواس التي تقوم بدورها بإرسالها إلى الدماغ حتى يبدأ بمعالجتها ويقرر فيما إذا كانت هذه المثيرات مهمة فيقوم بالاحتفاظ بها وتخزينها وحفظها في الذاكرة، أو يقرر أنها غير مهمة فيتغاضى عنها ولا يمنحها أي نوع من أنواع الانتباه، وتحدث هذه العملية ضمن أجزاء أجزاء الثانية، وهذا من حكمة الله عز وجل فلو لم يوجد نظام الفلترة هذا لجن جنون الإنسان لكثرة المثيرات التي يقوم بمعالجتها والاحتفاظ بها والتي تفوق القدرة البشرية، لكن ما علاقة هذا كله بالرؤية المسبقة للأحداث ستسأل! سأجيبك أن الأحداث هذه أو المواقف التي شعرت وكأنك عايشتها من قبل هي فعلاً تلك المثيرات التي استقبلها الدماغ في ذلك الحين وقرر أنها غير مهمة في وقتها، لكنه عندما تغاضى عنها في المرة الأولى هذا لا يعني أنه ينساها كلياً بل يحتفظ بتصور مسبق عنها حتى يطابقه مستقبلاً مع ما يتعرض له الإنسان من مثيرات، لذلك ما تظن أنك قد عايشته مسبقاً هو بالفعل تصور يمتلكه الدماغ عن خبرة سابقة مشابهة إلى حدٍ كبير.
كما ذكرت سابقاً أن الدماغ يحلل كل ما يستقبله من مثيرات، وتتم هذه المعالجة عن طريق عملية بخطوات متسلسلة تقوم بنقل المعلومات من الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة الأمد، يعتقد العلماء أن الديجافو أو الرؤى المسبقة هي نتيجة خلل مؤقت في هذه الخطوات، ولا أقصد بالخلل مرض أو عطل أو ضعف، بل هو أقرب إلى ما يكون اختلاط أو تداخل على الدماغ إن صح التعبير، حيث أنه في بعض الأحيان قد تقوم الذاكرة قصيرة المدى بأخذ طريق مختصرة إلى الذاكرة طويلة المدى لسبب أو لآخر فيكون هناك تأخير بسيط في استقبال أو طرح المعلومات وهذا التأخير سريع لدرجة عدم قدرة الوقت المقاس على قياسه لكن ينتج عنه طرح هذا الموقف الجاري وكأنه ذكرى سابقة لذات الموقف في وقت سابق، بدلاً من طرحه كأنه حدث الآن.
تتعدد التفسيرات بسبب صعوبة دراسة هذه الظاهرة وذلك لأنها تنتهي بسرعة قبل أن تدرك أنها حدثت فعلاً، كما أنها ليست مرتبطة بزمن أو وقت معين بل تحدث دون سابق إنذار ورغم أن الدراسات أثبتت أنها تحدث بكثرة لدى مرضى الصرع بسبب اختلاف كهربية الدماغ إلا أنها وعلى غرار أعراض الصرع فإن الديجافو مختلفة تماماً وتصيب الأشخاص الأصحاء الذين لا يعانون الأمراض كذلك.