الراجح أن صلاته صحيحة ويجب عليه أداؤها، وهي مجزئة له مسقة للفرض عنه لا يلزمه إعادتها إذا وجد لاحقاً ما يتطهر به من ماء أو تراب.
وتفصيل هذه المسألة:
أن فاقد الطهورين هو من عجز عن الوضوء بالماء أو التيمم بالتراب أو ما صعد على وجه الأرض، سواء كان لعدم وجود الماء أو التراب كمن كان في بقعة كلها نجاسة ولم يجد ماءً بعد البحث التام، أو كالأسير المقيد الذي لا يستطيع الحركة أو المريض الذي لا يجد من يوضئه أو ييممه، فمثل هذه الحال اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن فاقد الطهورين لا يصلي ولا تصح صلاته حتى يجد أحد الطهورين - الماء أو التراب-، قالوا لأن الشرع جعل الطهارة شرطاً لصحة الصلاة، ورخص الانتقال من الماء إلى التراب عند فقد الماء، ولم يأت نص بجواز الصلاة بلا طهارة أصلاً.
وهذا العذر نادر وزواله وشيك في الغالب، لذلك لم يبح لأحد الصلاة بلا طهارة بماء أو تراب.
وهذا قول الحنفية وبعض المالكية.
القول الثاني: هو وجوب الصلاة على فاقد الطهورين وذلك لأداء الصلاة في وقتها متى لم يغلب على الظن وجود أحد الطهورين في الوقت، وهو وجوب الصلاة عليه على حاله مأمور بالإعادة.
أما وجوب الصلاة عليه فاستدلوا بحديث عائشة المتفق عليه (أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فوجدها فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوا فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله آية التيمم)
فالصحابة صلوا في الحديث بلا وضوء وقبل شرع التيمم حيث كان الماء هو الطهور الوحيد ومع ذلك لم ينكر عليهم النبي ذلك بل أقرهم.
ولأن كل أوامر الشريعة معلقة على الاستطاعة والقاعدة الشرعية العامة أن الميسور لا يسقط بالمعسور.
أما وجوب الإعادة فقالوا لأنه عذر نادر الحدوث فلم تسقط به الإعادة، فوجوب الصلاة عليه حفاظاً على حرمة الوقت، ووجوب الإعادة لتدارك النقص.
وهذا قول الشافعي رحمه الله وأكثر أصحابه.
القول الثالث: هو وجوب الصلاة عليه وأنها تقع مجزئة عنه ولا تجب عليه الإعادة ولا تسن.
فدليلهم على وجوب الصلاة هو دليل أصحاب القول الثاني، أما دليلهم على عدم وجوب الإعادة فمن الحديث نفسه أن رسول الله لم يأمر الصحابة رضي الله عنهم بالإعادة بعد شرع التيمم لهم أو عثورهم على الماء، وإنما أقرهم على صلاتهم.
وقالوا وليس في قواعد الشريعة الأمر بأداء العبادة مرتين، بل ما دامت قد صحت صلاة فاقد الطهورين ولزمه أداءها فإنها تقع عنه مجزئة ولا يلزمه الإعادة.
قال ابن القيم رحمه الله "فمقتضى القياس والسنة أن العادم يصلي على حسب حاله فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يعيد لأنه فعل ما أمر به فلم يجب عليه الإعادة كمن ترك القيام والاستقبال والسترة والقراءة لعجزه عن ذلك فهذا موجب النص والقياس ".
وهذا القول هو أرجح الأقوال وأقواها.
والله أعلم