تجوز في هذه الحال ولا تعتبر شهادة زور ولا حراماً، ويؤجر عليها صاحبها بل قد تكون واجبة، إذا كان فيها إنقاذ نفس مسلمة من قتل أو حبس طويل، ولم يكن على الشاهد ضرر من ذلك.
ولكن إذا كان يمكن استخدام المعاريض بدلاً من الكذب الصريح فهو أولى وأفضل، ومعنى المعاريض أن تقول قولاً له ظاهر متبادر منه ولكنه يحتمل غير ذلك، فيفهم القاضي المعنى المتبادر والظاهر منه وتكون أنت تقصد غير المتبادر وأنت صادق في ذلك.
جاء في الحديث في سنن أبي داود عن سويد بن حنظلة رضي الله عنه قال: "خرَجْنا نريدُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم، ومعنا وائلُ بنُ حُجرٍ، فأخذَهُ عدوٌّ لَهُ فتحرَّجَ القومُ أن يحلِفوا، وحلَفتُ أنَّهُ أخي فخلَّى سبيلَهُ، فأتَينا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم، فأخبرتُهُ أنَّ القومَ تحرَّجوا أن يحلِفوا، وحلفتُ أنَّهُ أخي، قال صدقتَ المسلمُ أخو المسلمِ".
ف سويد رضي الله عنه حلف أن وائلاً أخوه وهو قصد أخاه في النسب وليس الواقع كذلك لينقذه من عدوه ويخلي سبيله، والنبي عليه الصلاة والسلام أقره على فعله ولم ينكر عليه لما فيه من إنقاذ مسلم من الظلم، ولكنه وجهه إلى المعاريض لما نبهه أنه أخوك فعلاً ولكن في الدين لا في النسب.
فشهادة الزور المحرمة والتي هي من أكبر الكبائر هي ما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عنها (يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب)، ويقاس على المال سائر الحقوق من النفس والعقار وغير ذلك.
فكل شهادة تؤدي إلى إبطال حق أو نقله لغيره من يستحقه أو لا تعرف هل يستحقه أو لا يستحقه، فكل هذا من شهادة الزور المحرمة، لأن في ذلك تزويراً للحقوق وإظهاراً للباطل.
أما إذا كان الحق واضحاً والمسألة مسألة ظلم بيِّنٍ يقع على آخر بأخذ حقه من مال أو عقار أو ظلمه بحبسه في جرم لم يرتكبه أو مسألة لا يجوز حبسه عليها أصلاً شرعاً فكل هذا من الظلم المحرم، ودفعه هو الواجب على من قدر ذلك واستطاع ولو بأن يحلف يميناً على خلاف الواقع، ولا يسمى زوراً لأن الزور والظلم هو المراد رفعه.
ولكن كما أسلفنا إن أمكن استخدام المعاريض فهو أولى وأفضل كما روي في الحديث (إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب).
وشرط كل ذلك ألا يدفع الظلم عن شخص بظلم غيره، كأن يحلف أن فلان لم يفعل ذلك وإنما فعله فلان، ويكون كاذباً في ذلك ويكون غرضه إنقاذ صديقه البريء ولكنه ورط بريئاً آخر في نفس الوقت!
فهذا محرم ولا يجوز لأن الضرر لا يزال بضرر مثله أو أعلى منه، وإنما المباح هو رفع الظلم أو إعادة الحق دون ضرر مقابل.
والله أعلم.