المقصود بتأبير النخل: أي تلقيح النخل الذكري بالأنثى لإنتاج نخل جديد، والحديث صحيح وقد ورد في عدة نصوص نذكر منها ما يلي:
الحديث الأول: عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يأبرون النخل، يقولون يلقحون النخل، فقال: ما تصنعون؟) قالوا: كنا نصنعه، قال: (لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا)، فتركوه، فنفضت أو فنقصت، قال: فذكروا ذلك له فقال: (إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر) رواه مسلم في صحيحه، وابن حبان والطبراني.
والحديث الثاني: فقد رواه الصحابي موسى بن طلحة عن أبيه قال: (مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوم على رؤوس النخل فقال: "ما يصنع هؤلاء"؟ فقالوا يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أظن يغني ذلك شيئا" قال فأخبروا بذلك فتركوه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال:"إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل" رواه مسلم في صحيحه.
والحديث الثالث: عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل فقال: لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شيصا " تمرا رديئا" فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا.. قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم"أخرجه مسلم.
-وملخص الحادثة: التي جاءت بالحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد مرت على جماعة من الأنصار في المدينة المنورة وكانوا يرشون بذور ذكر النخيل على بذور الإناث فسأل ماذا يفعلون هؤلاء؟ فقالوا له إنهم يأبرون النخل أي يلقحونه فقال صلى الله عليه وسلم لا أظن بأن هذا الفعل ينفعهم فلما سمعوا الأنصار بما قال النبي صلى الله عليه وسلم تركوا فعل التأبير.
وفي السنة القادمة عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم إنتاج النخل قليل ورديء تعجب وسأل لما هو كذلك؟.
فأجابه أنك أنت قلت لهم بأن صنعهم لا ينفعهم بشيء فتركوه.
فقال عليه الصلاة والسلام: بأنه كان يجهل أمور الزراعة وإنما ظن ظنا وإن الذي يعلمه هي أمور الدين فإني إنما ظننت ظنا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل.
- وقد يقول قائل كيف يحصل هذا والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى؟ والرد على ذلك أن ما حصل في حادثة تأبير النخل أنه كان ظنا وتقديرا منه صلى الله عليه وسلم على حسب ما يعلمه من أمور الدنيا، فأي حديث بعده يرد من غير تصريح بكلمة الظن وما يدل عليها داخل في عموم الآية، ويجب التسليم به على أنه وحي وتشريع إلا لقرينة صارفة.
-وما يرشد إليه هذا الحديث ما يلي:
1- حرص الصحابة رضوان الله عليهم على امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفته.
2- أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم كان ظنياً وليس أمراً قطعياً. ولم يأمرهم أمرا تعبديا، والتصريح بالظن يجنب المخاطبين الخلط بين السنة التشريعية وغير التشريعية.
3- لم يكن قول النبي صلى الله عليه وسلم وحياً من السماء إنما هو عبارة عن إخبار لهم عن أمر حسي مشاهد قد يختلفون فيه ثم يتبيّن لهم الصواب فيه من الخطأ حسب العلم والتجارب والخبرات الحياتية، ولذلك قال لهم: أنتم أعلم بأمور دنياكم.
4- أن معظم عمل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كان في زراعة النخيل وهي المصدر الرئيسي في رزقهم في ذلك الوقت، ولا تزال زراعة النخيل لغاية اليوم في المدينة المنورة شاهدة على ذلك، ويعتبر نخيل المدينة المنورة من أجود وأفضل أنواع النخيل عالميا.