قوله تعالى: (والذي أخرج المرعى)
المرعى (في معجم اللغة العربية والمعاصرة)
جمع مَراعٍ، وهو موضع الماشية من العُشب والكلأ، ما يقتات به النّاسُ والدَّوابُّ من النَّبات " {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} ".
أو اسم مكان من رعَى، مكان العُشب والكلأ المباح لكل أحد.
مثال: "خُذ ماشيتَك إلى المَرعَى الخَصب"، "منطقة لا مراعي فيها".
والمرعى (اصطلاحًا)، بمعنى أنبت الكلأ والعشب.
أي أن الله تعالى سبحانه أخرج من الأرض جميع أصناف النباتات والزروع، وأخرج الكلأ والأخضر، وأنه سبحانه وتعالى أنبت ما ترعاه الدواب، بالإشارة إلى أقوات الدواب التي قسمها الله لها، فهي متساوين مع ابن آدم في رزقها كالطعام والشراب والتزاوج، فقَالَ تَعَالَى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلْأَرْضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبينْ) [هود: 6]
وقوله تعالى: {إنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ..) [يونس: 24]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل:
- قال الطبري -رحمه الله-: وقوله: (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى) يقول: والذي أخرج من الأرض مرعى الأنعام من صنوف النبات وأنواع الحشيش.
- قال ابن تيمية -رحمه الله-: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} هُوَ سُبْحَانَهُ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُ: {قَدَّرَ فَهَدَى} دَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّرَهُ مِنْ أَرْزَاقِ الْعِبَادِ [وَالْبَهَائِمِ] وَهَدَاهُمْ إلَيْهَا فَهَدَى مَنْ يَأْتِي بِهَا إلَيْهِمْ
وفي هذا بيان لحكمة الله -سبحانه وتعالى- في تقسيم أرزاق المخلوقات، فقد تكفَّل الله برزق جميع ما دبَّ على وجه الأرض، فالدواب كالآدميين، لها رزق من الله معلوم، مقسوم في علم الغيب، تنتفع به، سواء من ماء أو زرع أو غيرهما، ولن تموت نفس في هذه الدنيا قبل أن تستوفي رزقها ونصيبها.
فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها، وتستوعِبَ رزقَها..) حديث صحيح [الألباني: صحيح الجامع]
وخلاصة الحديث الشريف أن الأرزاق مقسومة ومقدرة كالآجال، ولو فر الإنسان من رزقه كما يفر من أجله لأدركه رزقه كما يدركه أجله.