لطالما كانت الفنون الوسيلة الّتي يستطيع من خلالها الفرد التجرّد من أقنعة الواقع، وتجسيد كلّ ما يدور بداخله بكلّ شفّافيّة لتظهر أعماله للعالم على شكل دموع تلامس أفئدة الجمهور لتجسّد مشاعر الحزن، أو ضحكات تصل إلى قلوب المتلقّين وتترك بداخلهم بصمات السعادة.
كانت مشاعر السعادة والحزن من أبرز العوامل الملهمة الّتي استخدمها الفنّانون للتعبير عن أرواحهم، وتجسيد أعمالهم الفنّيّة، ولعلّ أبرزهم الرسّام بابلو بيكاسو الّذي اتّخذ من مشاعره المضطربة عنواين لفترات زمنيّة تحمل مجموعة من لوحاته الفنّيّة الّتي تعكس مشاعر السعادة، والحزن حيث صنّفت أعمال بيكاسو على فترات أبرزها الفترة الزرقاء الّتي تجسّد مشاعر الحزن، والفترة الورديّة الّتي تجسّد مشاعر السعادة.
تعتبر الفترة الزرقاء من الفترات الزمنيّة الكئيبة الّتي مرّت في حياة الفنّان بابلو بيكاسو حيث إنّها سمّيت بذلك بسبب طغيان اللون الأزرق ودرجاته على جميع لوحات بيكاسو، بحيث إنّها كانت تنعت بالكآبة، وتعكس مواضيع الفقر والوحدة واليأس، ولعلّ أكثر لوحة تمثّل حالة الحزن في هذه المجموعة هي لوحة عازف الغيتار الّتي برأيي تجسّد مشاعر الوحدة والفقر في كلّ تفاصيلها، حيث إنّه استطاع تحديد من خلال ألوانها الّتي يترأّسها اللون الأزرق الباهت مدى تعاسة الشخصيّة، وانكفائها على نفسها في الفضاء الموحش، لكن وبالرغم من مشاعر الحزن الّتي كانت تحيط بالفنّان، والّتي جسّدها بهذه اللوحة إلّا أنّ بصيص الأمل كان يشقّ طريقه عبر قيثارة الرجل العجوز بالوحة، ويعزف ألحان السعادة الّتي شقّت طريقها نحو روح بيكاسو وأنهت هذه الفترة الزمنيّة البائسة وانطلقت به نحو السعادة المتجسّدة في الفترة الزمنيّة الورديّة الّتي جعلت من بيكاسو يستلهم لوحات يملأها ألوان الأمل ومشاعر السعادة.
الفترة الزمنيّة الورديّة الّتي استطاع فيها الفنّان بيكاسو أن يستخرج مشاعر المحبّة، والسعادة من التفاصيل حوله حيث بدأ بإعطاء الأمل والفرح ويجسّدها في لوحاته، ولعلّ أبرز تلك اللوحات برأيي تدعى لوحة الصبيّ والغليون، حيث إنّه استطاع تجسيد مشاعر السعادة والأمل من خلال شخصيّة الصبيّ المرتدي ملابس زرقاء، ومطوّقاً رأسه بطوق من الورود، وممسكاً باقة من الورد وغليون تلك اللوحة كما وصفها النقاض ترمز للجمال، والسعادة بسبب ألوانها الملفتة وخطوطها الّتي تترك بداخل المتلقّي نوعاً من الابتهاج والألفة.
من وجهة نظري أنّ العامل الملهم الّذي يستخدم لصنع الفنّ ينعكس من داخل الإنسان ويمثّل ما يراه ويصوّره من عالمه الداخليّ، سواء كانت المشاعر المسيطرة عليه تتراوح بين الحزن والسعادة، إنّ الفنّان ببساطة سوف يجسّد ما يشعر به، ويجعل من أبهج الألوان اتّعسها إذا لامس الحزن قلبه، وأبشع المناظر أجملها إذا لامست روحه السعادة، فهو يعبّر عن لغة روحه ويستلهم منها بصماته الفنّيّة الّتي يجسّدها في أعماله.