السلوك الاعتمادي هو السلوك الصادر عن الطفل الذي يطلب فيه الدعم من الأم أو الأب أو الأخوة، أو الشخص الموجود معه في البيئة، والقائم على رعايته باستمرار، وفي أصغر الأمور وأعظمها، لتلبية حاجاته المختلفة، وهو نقيض الاستقلالية. وغالبًا ما يتنج هذا السلوك عن التنشئة الاجتماعية أو النمذجة، أو بسبب نكوص ما لدى الطفل، وله أثر في الطفل من الناحية النفسية والاجتماعية والعاطفية والفكرية، وغالبًا ما يكون أثرًا سلبيًا، ويمكن معالجة هذا السلوك الذي يعد أحد المسكلات السلوكية للطفل عن طريق تنمية الاستقلالية، وإعطاء المساحة الممكنة للطفل للتعامل فرديًا مع الخبرات، وتنمية مهارة اتخاذ القرار وحل المشكلات.
أولاً: أسباب السلوك الاعتمادي:
- التنشئة الاجتماعية: لدى الأهل كثير من السلوكات التي تعزز السلوك الاعتمادي لدى الطفل ضمن عملية التنشئة، من مثل أسلوب الدلال الزائد، أو الخوف المبالغ فيه والذي يحرم الطفل من تنمية الاستقلالية، وتجربة الخبرات بنفسه ،واكتساب المهارات اللازمة، فيصبح الأهل هم من يلبون احتياجات الطفل المختلفة، من مثل إحضار كوب الماء، أو ربط الحذاء، أو تسريح الشعر، أو ترتيب الأدوات الشخصية... الخ.
- النمذجة: قد يصدر عن الطفل سلوكات الاعتماد على الأهل، أو من يهتمون برعايته لوجود نموذج آخر في المحيط يقوم بهذا السلوك، وهنا يبدأ في التقليد، وقد يظهر هذا السلوك في مرحلة ما قبل المدرسة ظهورًا كبيرًا؛ لأن هذه المرحلة هي مرحلة التعلم من خلال النمذجة، وغالبا تكون للفت الانتباه أو الشعور بالمتعة.
- النكوص: قد يتعرض الطفل لأحد الأسباب التي تؤدي إلى نكوصه (العودة للمرحلة العمرية السابقة من حيث السلوك) من مثل وجود طفل جديد في العائلة، أو التعرض لبعض الصدمات العاطفية، وهنا يبدأ الطفر بإظهار السلوكات الاعتمادية؛ إما من باب الغيرة، أو من باب لفت الانتباه للحصول على الدعم اللازم والاهتمام من الأهل.
ثانيًا: الآثار المترتبة على السلوك الاعتمادي في الجوانب المتعددة:
- الجانب النفسي: الاعتمادية سبب في أن يكون الطفل فاقدًا للثقة بالنفس والشعور بالقوة، وهذه مع مرور الوقت تكون سببًا في أن يفقد الطفل تقدير الذات واحترام الذات، ووجود طفل بهذه المواصفات يعني طفلًا مهتز الكيان فاقدًا للشخصية، يظهر اضطرابات نفسية تتمثل في الإحباط واليأس، خاصة عندما يتعامل الطفل مع البيئة الخارجية، ويرى أن الاعتمادية غير ممكنة وصعبة التحقيق.
- الجانب الاجتماعي: الاعتمادية تترك الأثر الاجتماعي المتمثل بفقدان القدرة على التفاعل الاجتماعي واتخاذ القرار ضمن هذه التفاعلات؛ مما يجعل الطفل منبوذًا أو غير محبب؛ حيث لا يرغب الأطفال في أن يقوموا بمسؤوليات الآخرين من الأقران، فهذا بالنسبة لهم حمل لا يمكن التعامل معه، وعليه فالطفل الاعتمادي ضمن جماعات الأقران هو طفل منبوذ غير قادر على تلبية أموره، وغير قادر على التفاعل بطريقة فعالة؛ لأنه فاقد للمهارة المناسبة، وهنا يظهر الأثر بالانعزال الاجتماعي وتطور مشاعر الوحدة.
- الجانب العاطفي: الاعتمادية تجعل الطفل متعلقًا بشكل غير آمن بالأم، أو من يقوم بتلبية احتياجاته، وعليه نجده غير قادر على الابتعاد عن الأم أو من يقوم مقامها، وفي حال تعرضه لهذه الخبرة (البعد) يكوِّن مشاعر القلق والتوتر والحزن والإحباط والخوف، فالمصدر الأساسي في تلبية الحاجات والطلبات غير متواجد حاليًا، وفي حال بقي السلوك الاعتمادي هذا لدى الطفل في مراحل متأخرة، فقد يؤثر في علاقاته المختلفة من الناحية العاطفية، فنجده شديد الحساسية غير قادر على الابتعاد عن أصدقائه أو أفراد عائلته، وفي مراحل متأخرة أكثر قد يكون هذا الطفل ضعيف الشخصية مع شريك الحياة، ومعتمدًا عليه اعتمادًا تامًا.
- الجانب الفكري: الاعتمادية سبب في أن يفقد الطفل القدرة على تكوين بنية معرفية مستقليه فيها توجُّه يدل على ما له من فكر وميول واتجهات، فنجده إما نسخه عن الأب أو عن الأم من الناحية الفكرية من دون وجود أي لمسة شخصية من خلاله، وهذا الأمر يعني فقدان القدرة على الوعي بذاته لاحقا، وحصول العديد من الاضطرابات في مختلف المجالات.
ثالثًا: علاج السلوك الاعتمادي:
- تنمية الاستقلالية: يمكن تنمية استقلالية الطفل من خلال تعريضه لعدد من الخبرات التي يلبي من خلالها حاجاته، وتعزيز ما يقوم به من فعل في أثناء التعرض لهذه الخبرات، ومن الضروري هنا أن يكون الطفل قادرًا على تحمل مسؤولية ما لديه من سلوك من دون التدخل من قبل الأهل، ويجب إعطاؤه الفرصة لإعادة المحاولة، حتى يكتسب المهارة.
- تنمية مهارة حل المشكلات: وذلك بتنمية القدرات الفكرية لدى الطفل والتي من خلالها يستطيع تحديد المشكلة التي هو بها، واقتراح الحلول وتجربتها، من ثم تقييم النتائج والحصول على التغذية الراجعة، فيتخلص الطفل من الاعتمادية ويتعامل مع الأمور بنفسه، فيربط حذاءه ويغير ملابسه، ويدير شؤونه بنفسه.
- تنمية مهارة اتخاذ القرار: إعطاء الطفل المساحة الكافية للتصرف، وتنمية القدرة على الاختيار واتخاذ القرار بناء على ما لديه من فكر وتوجه ونظرة وشخصية، سببٌ في التخلص من الاعتمادية، وتكوين شخصية خاصة به.