لعل المقصود بالسؤال كيف جاءت الأديان الثلاثة اليهودية والنصرانية والإسلام حيث بعث موسى بالتوراة وبعث عيسى بالإنجيل وبعث محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم (الدين الإسلامي) رغم أن أصل ديانتهم وجدهم واحد وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام.
- فنقول في البداية أن الانتساب إلى رجل واحد لا يلزم منه اتفاق ذرية هذا الرجل وعدم تفرق فروعه إلى قوميات متفرقة أو ديانات مختلفة، فأمم الأرض وشعوبها كلها ترجع في نسبها إلى أب واحد وهو (آدم عليه السلام)، ولكنهم اختلفوا وانقسموا إلى شعوب وقوميات.
- ويعود السبب في هذا الاختلاف إلى الظروف الطبيعية كالبعد الزمني والتفرع النسبي والتباعد الجغرافي والاختلاف البيئي والاجتماعي، وقد يكون السبب ديني سببه الجهل بدين الله الحق والانحراف عن وحي السماء وهدى الأنبياء، وهذا هو السبب الأساسي في الاختلاف، فقد قال الله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ {سورة البقرة: 213}.
- فكان بنو آدم في القرون الأولى بين آدم ونوح وهي عشرة قرون مجتمعين على دين واحد هو دين الحق والتوحيد حتى اختلفوا فدخلهم الشرك وآمن بعضهم وكفر بعضهم، فبعث الله نوحاً فمن بعده من النبيين مبشرين بالثواب من أطاع ومنذرين بالعقاب من عصى.
- وهذا الاختلاف والتغير هو نفسه الذي وقع بعد ذلك لذرية إبراهيم عليه السلام حين انحرفت عن دين الآباء إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب فأرسل الله إليهم موسى - عليه السلام - فآمن به من آمن منهم فسموا يهودا، قيل لأنهم هادوا إلى الله ورجعوا إلى دين الأنبياء،
- وقد انحرف اليهود أيضا عن دين الأنبياء فبعث الله إليهم عيسى عليه السلام فآمن به من آمن منهم، فقيل أيضا سموا نصارى، لأنهم نصروا نبي الله عيسى واتبعوا دين الأنبياء.
- وكانت حكمة الله تعالى بعد هذا الاختلاف وانحراف البشرية كلها عن دين الله الذي جاء به الأنبياء السابقون أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم - جد العرب المستعربة في الحجاز - خاتما للأنبياء إلى الناس كافة فآمن به من آمن من العرب ومن القوميات الأخرى، وأتباعه يسمون مسلمين - بغض النظر عن قومياتهم - وكفر به من كفر منهم ومن غيرهم، قال الله تعالى:" وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ" {سورة البقرة: 253}.
- فكل الأديان السماوية تنتسب لإبراهيم عليه الصلاة والسلام لكن الله عز وجل بيّن في القرآن الكريم بيانا تاما كاملا أن دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو الإسلام، وقد أمرنا الله تعالى باتباعه فقال تعالى: “ثم أوحينا إليكَ أن اتّبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) سورة النحل آية: 123،
- فدين إبراهيم: الإسلام، وقد نفى الله عنه الشرك، ثم لما زعم اليهود والنصارى المتأخرون في الزمان عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه منهم نفى الله عز وجل ذلك صراحة ووضوح فقال جلّ مِن قائل: “ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين” (آل عمران: 67).
- وعليه: فالأنبياء المذكورين (إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم) كلهم أنبياء الله دينهم واحد ولم يختلفوا فيه، وإنما كان اختلاف من يدعون اتباعهم والانتساب إليهم - أو من سميته قومياتهم - بسبب جهلهم لوحي السماء وهدى الأنبياء وانحرافهم عن دين الله الحق الذي توالت رسل الله للدعوة إليه بداية بآدم وانتهاء بمحمد صلى الله عليه وسلم.