يخطر في بالنا الكثير من الأسئلة كل يوم، فالإنسان يتعلم ويتطور من خلال التساؤلات التي تخطر بباله فيسألها لنفسه أو لمن حوله، فالطفل يسأل الكثير من الأسئلة عندما يبدأ باكتساب اللغة وفهم العالم من حوله، وكذلك نحن الكبار ترانا نتساءل لنفهم ولنتفكر.
أما بالنسبة لي فعندما أردت الإجابة عن سؤالك هذا تذكرت كم الأسئلة التي كنت أسألها لنفسي كل يوم في مختلف مراحل حياتي وفي مختلف الظروف التي كنت أمر بها؛ فعندما كنت طفلة صغيرة كنت أتساءل كيف سيكون شكلي عندما أكبر وسأشبه مَن مِن أهلي وماذا ستكون مهنتي، وعندما أصبحت مراهقة ذهب تفكيري - كأي مراهقة- للزواج وشكل ومواصفات شريك الحياة والأطفال. فأسألتنا تختلف بحسب عمرنا واهتماماتنا وظروفنا.
أما السؤال المتكرر المشترك الذي ما زال يخطر ببالي منذ صغري وحتى الآن هو "ماذا لو خلقت ذكراً؟"... يخطر في بالي هذا السؤال لأن والدتي أخبرتني بأنها عندما كانت حاملاً بي أصرت على معرفة جنس المولود قبل أوانه بكثير، إلى أن قال لها الطبيب يوماً بأن المولود سيكون ذكراً ليشبع فضولها ويسكتها دون الاستناد على فحص أو ما شابه، فما كان من أمي إلا أنها صدقته فبدأت تحضر حاجات المولود الولد؛ فجهزت غرفته وملابسه ومقتنياته باللون الأزرق، كما اتفقت مع أبي على تسمية المولود "يزن". وفي الشهور الأخيرة من الحمل عندما أخبرها الطبيب أن المولود القادم سيكون أنثى كانت فرحتها وفرحة أبي بي مضاعفة لأنهما يحبان البنات أكثر، إلا أنها اضطرت طبعاً لتغيير تجهيزات المولود لتتناسب مع الإناث حسب ما تعودوا عليه.
ومن اليوم الذي أخبرتني به أمي بهذه القصة وأنا أسأل نفسي كلما ضجرت من العالم الأنثوي، أو كلما أساء لي أحدهم لاعتقاده أنني أنثى ضعيفة "ماذا لو كنت يزن وليس ميس؟" ومن المواقف التي كنت أفكر فيها بهذا السؤال بكثرة هي عندما حصلت على فرصة عمل في الإمارات قبل حوالي 3 سنوات، فتساءلت وقتها إن كان "يزن" سيأخذ هذه الفرصة ويترك وراءه والديه الكبيران في السن؟! فما منع "ميس" أن تأخذ هذه الفرصة وقتها هو أن عليها الاهتمام بهما... طبعاً أنا لا أتهم الذكور بأنهم لا يفكرون بمن حوهم أو أن قلوهم قاسية، ولكن البنات هن المؤنسات.
أتساءل أحياناً عندما أرى ما يفعله الكثير من الرجال مع الفتيات من معاكسة وعلاقات عابرة وأحياناً ما يفعله بعض الأزواج بزوجاتهم أو بعض الآباء والأخوة بالإناث اللاتي حولهم من إساءة جسدية... هل لو ولد "يزن" سيكون من هذا النوع من الرجال؟ أم أنه سيكون من الأنواع المشرفة الذين يستحقون أن يوصفوا بالرجال؛ فهناك فرق عظيم بين الرجال والذكور، فكل رجل ذكر، ولكن ليس كل ذكر رجل!
أحياناً كنت أرى في مراحل معينة من حياتي بأن عالم الذكورة أسهل بكثير من عالمنا، ولكنني أدركت فيما بعد بأنهم يواجهون تحديات كبيرة كذلك، ربما أنها تحديات تختلف عن تلك التي نمر بها نحن الإناث، لأن كل منا له تركيبة مختلفة وطبيعة مختلفة كما أن تعاطي البيئة مع الذكر يختلف منه مع الأنثى، لكن في النهاية هم بشر مثلنا يحبون ويكرهون ويفرحون ويحزنون ويتأملون ويتألمون ويضحكون ويبكون... بل أن بعض المجتمعات تنصف الإناث وتسمح لهن بالتعبير عن مشاعرهن وتتقبل بكاءهن، ولكنها تمنعع الذكور من البكاء وتعتبر دموعهم عاراً.
فربما لو كنت "يزن" سأكون أكثر صلابة وحكمة وأقل بكاء، أما موضوع قلة البكاء بالذات فهو لا يناسبني لأن البكاء هو سبيلي الوحيد للراحة...
غالباً أصل لإجابة على تساؤلي هذا أنني أحب "ميس" وأتقبلها كما هي - حتى مع كثرة بكائها، فهي تشكلت وصنِعت من وحي ما تعرضت له من مواقف وتحديات، واستطاعت أن تبقى شامخة وأن تكون الجدار المنيع الذي يميل عليه من حولها. ولا أعتقد أن "يزن" سيكون أفضل منها؛ فأحياناً هي تكون "يزن" و"محمد" و"أحمد" و"محمود" و"عبدالله" و"جورج" و"إلياس" و"رامي" في نفس الوقت إن تطلب الأمر هذا!