سأبدأ أولاً بتوضيح معنى الحجود لغة:
الجحود والجحد مصدر قولهم: جحد يجحد جحدا وجحودا وهو مأخوذ من مادّة (ج ح د) الّتي تدلّ على قلّة الخير. يقال: عام جحد: قليل المطر، والجحد من كلّ شيء، القلّة.
وقال الشّيبانيّ: أجحد الرّجل وجحد إذا أنفض وذهب ماله. ومن هذا الباب الجحود، ولا يكون إلّا مع علم الجاحد به أنّه صحيح. قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ{ (النمل/ 14) وما جاء جاحد بخير قطّ.
يقال: جحده حقّه وبحقّه، والجحد أيضا: قلّة الخير، وكذلك الجحد بالضّمّ. والجحد بالتّحريك مثله.
وجحد الرّجل- بالكسر- جحدا، فهو جحد إذا كان ضيّقا قليل الخير، وأجحد مثله.
أما بالنسبة لمعنى الحجود اصطلاحاً:
قال الجرجانيّ: هو عبارة عن الإخبار عن ترك الفعل في الماضي.
يقول الرّاغب: الجُحُود: نفي ما في القلب إثباته، وإثبات ما في القلب نفيه، يقال: جَحَدَ جُحُوداً وجَحْداً.
وقال عزّ وجل: بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (الأعراف/ 51). وتَجَحَّدَ تَخَصَّصَ بفعل ذلك، يقال: رجل جَحِدٌ: شحيح قليل الخير يظهر الفقر، وأرض جَحْدَة: قليلة النبت، يقال: جَحَداً له ونَكَداً، وأَجْحَدَ: صار ذا جحد.
فيما يخص الحجود في الاستعمال القرآني:
1- نعى القرآن الكريم على المشركين وأهل الكتاب جحودهم بآيات الله رغم معرفتهم بها، وشدّد النّكير عليهم فوسمهم بالظّلم، في قوله سبحانه "وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ" (الأنعام/ 33).
وقد كان هذا الجحود سببا للعنة قوم عاد وإبعادهم "وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ* وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ" (هود/ 59- 60).
2- وقد وصف القرآن الكريم من يجحد بآيات الله بالكفر حينا وبالظّلم حينا فقال- عزّ من قائل-: "وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ} (العنكبوت/ 47)، وقال سبحانه {وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ" (العنكبوت/ 49).
3- وجاء وصفهم بأنّهم أهل الإفك والختر، فقال تعالى:" كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ" (غافر/ 63).
4- أوضح المولى- عزّ وجلّ- أنّ الجحود من عوامل الاستكبار والغرور.
فقال سبحانه: "فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ" (فصلت/ 15).
إنّ الجاحد بآيات الله لن يغني عنه سمعه ولا بصره، ولا فؤاده، وكأنّه حرم نفسه من نعمة الله الّتي أنعم الله بها عليه، يقول سبحانه: "وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ" (الأحقاف/ 26).
المصدر
الجحود في القرآن الكريم "دراسة موضوعية"- عبدالله محمد أيوب كلّاب- فلسطين - غزة - 2014/2015م