لا شك بأن عبادة غير الله لا تجوز حتى لو كان الإنسان مازحًا في ذلك، فالواجب أن يكون المزح في ضمن المباح، مع الحرص على ألّا يكثر من ذلك، بأن يكون قليل المزاح كثير الجدّ، على أن يحرص على انتقاء المزاح وانتقاء الكلام من باب الأولى، خشية الوقوع في الإثم دون أن يدرك، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالتوحيد والشرك والإيمان والكفر، وذلك للآثار المترتبة عليه في الدنيا والآخرة.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ". رواه البخاري
وهنا، لا نحكم بالتكفير على القائل، إلّا إذا توافرت فيه شروط التكفير، من إتيانه مكفّرًا من المكفرات التي لا تقبل التأويل، وإذا انتفت الموانع في ذلك، فإذا ثبتت الحجة عليه يكون حكمه على أهل العلم من الفقهاء.
أمّا فيما يتعلق بسؤال السائل عن إنكار هذا القول على الشخص القائل، فنقول، يجب في هذه الحالة إنكار المسلم لمثل هذه الأقوال التي لا تجوز في الشريعة الإسلامية، حتى لو كان من باب المزاح، لأنه منكر فيجب إنكاره على قائله.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكرًا فليغيرْه بيدِه فإن لم يستطعْ فبلسانِه. فإن لم يستطعْ فبقلبِه. وذلك أضعفُ الإيمانِ". حديث صحيح
وفي هذا السياق، نستذكر قول ابن القيم -رحمه الله-: "فإنكار المنكر أربع درجات:
الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية: أن يقِلَّ وإن لم يزل بجملته.
الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه".
فالدرجتان الأوليان مشروعتان، فإذا أنكرت المنكَر على أهله، ثم دعوتهم إلى ما هو أخير منه، جاز ذلك وكان هو المراد، أو أنكرت عليهم منكرهم ولكن لم يزل كاملًا فبقي منه آثارًا أو نحو ذلك، فجاز ذلك أيضًا ويؤجر المنكِر على فعله وإنكاره بإذن الله.
أمّا الدرجة الثالثة فهي موضع اجتهاد عند الفقهاء، فإذا أنكر المسلم منكرًا فزال ولكن خلفه منكر مثله، مساوٍ له في الإثم، فاختلف الفقهاء في ذلك، منهم من قال بجواز الإنكار، ومنهم من قال بعدم إنكار المنكر الأول، حتى لا يتسبب في ضرر مثله.
أمّا الدرجة الرابعة فهي محرمة، وهي أن ينكر المسلم منكرًا معين، ثم يؤدي هذا الإنكار الى ان يخلفه منكر أكبر منه، فهنا قال الفقهاء بتحريم إنكار المنكر الأول، لأنه سيؤدي إلى ضرر أكبر في ذلك، فقد شرع النبي -صلى الله عليه وسلم- لصحابته إنكار المنكر إذا كان يبغض الله ورسوله، أما إذا استلزم إنكار المنكر تحقق ما هو أنكر منه وأبغض منه إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره، لتلافي وقوع ما هو أكبر من ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه وقلت له: إنما حرم الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة.. وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم".
وبالتالي فإننا نحث السائل على مراعاة المصلحة في إنكار المنكر، ودراسة ما سيتحقق بناءً عليه، لأن النهي عن المنكر شرع لغاية إرضاء الله تعالى ورسوله، فإذا ترتب عليه ما يبغض الله ورسوله أكثر، فوجب على الإنسان تجنب الإنكار.