رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة واتم التسليم له المنزلة العظيمة المعلومة عند الله تعالى ، وقد خصه الله بالمقام والمحمود والشفاعة العظمى يوم القيامة ، وأعطاه شفاعات اخرى ليشفع بها لأمته في ذلك اليوم العظيم ، وهذا كله نؤمن به ونثني على نبينا به ونعرف قدره ومكانته .
ولكن طلب الشفاعة من النبي الكريم عليه الصلاة و السلام بعد موته يعد عبادة من العبادات ، لأن السؤال وطلب جلب المنفعة والمضرة وهو الدعاء عبادة ، كما قال تعالى( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) ، فسمى سبحانه الدعاء عبادة ، و العبادات لا يجوز صرفها لغير الله أو التوجه بها لغيره ومنها الدعاء ، فلا يجوز دعاء غير الله أو سؤال غيره ، ومن توجه لغير الله بالدعاء او غيرها من العبادات فقد عبد غير الله و وقع في الشرك والعياذ بالله ،
وبناء عليه فمن توجه للنبي عليه السلام بعد موته بطلب الشفاعة منه مباشرة بقوله ( يا رسول الله اشفع لي ) ، فقد وقع في الشرك الأكبر لدعائه غير الله تعالى وعبادته غيره .
ودعاء غير الله هو شرك بالله ولو كان المدعو ملكا مقربا .أو رسولا مقربا أو صالحا يظن فيه الولاية والصلاح ، فالكفار قديما لم يكونوا يعبدون الحجارة فقط بل بعضهم عبد الملائكة بظنه ودعاها ، وبعضهم دعا عيسى وعبده ، وبعضهم دعا الاولياء والصالحين بظنه ، وكل ذلك ذمه الله وبين انه من الشرك الأكبر .
قال تعالى ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ۚ قُلْ أَفَرَءَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَٰتُ رَحْمَتِهِۦ ۚ قُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ ) ( الزمر ، 38 )
وقال تعالى ( قُل لَّآ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لَٱسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوٓءُ ۚ إِنْ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ) ( الأعراف 188)
وقال تعالى ( قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِۦ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ، أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) ( الإسراء 56 - 57 ) .
فإن قال قائل نحن نطلبها من النبي عليه السلام لأن الله أعطاه إياها فنحن نطلبه منه ما يملكه ، فالجواب : أن الله الذي أعطاها لرسوله نهاك أن تطلبها من غيره وجعل هذا الطلب شركا معه ، ثم إن النبي عليه السلام إنما يشفع بإذن الله ولمن رضي الله عنه وأذن لنبيه أن يشفع فيه فالأمر كله لله وحده فتطلب الشفاعة منه وحده سبحانه .
قال تعالى (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ).
وقال تعالى ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) .
أما ما قد يستشهد به البعض من قصة الأعرابي الذي طلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يدعو الله ليرد له بصره ، فأمره النبي أن يصلي ركعتين ثم يدعو بدعاء وفيه ( وشفعه فيّ ) ، فهذا - بعد الحكم بصحة الحديث - طلب من النبي في حياته وليس بعد مماته وفرق كبير بين الأمرين .
والله أعلم