قال الله تعالى في سورة الأعراف ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ (56) ) .
تبين هذه الآيات آداب من آداب الدعاء وهي في نفس الوقت شروط للإجابة وهي الواردة في هذه الكلمات الأربع (تضرعا وخفية ) ..( خوفا وطمعا ) ، فهذه الأربع كلمات منصوبة على الحال ، يعني ادعو ربكم حال كونكم متضرعين مختفين - يعني مسرين - خائفين طامعين .
1. فالتضرع : يعني الاستكانة والتذلل ، وهذا يقتضي أن على العبد أن يشعر بفقره وضعفه ومسكنته في مقابل غنى الرب وقوته وقهره ، فهذا التضرع والاستكانة أدعى للاستجابة وأسرع .
2. خفية : يعني الإسرار في الدعاء وعدم الجهر به بحيث يطلع عليه غيره ، وذلك لأن هذا من أدب مخاطبة الرب الملك السيد ، ثم هو أبلغ في الإخلاص ، ثم هو " أبلغ في جمعية القلب على الذلة في الدعاء " كما قال ابن تيمية رحمه الله ، ثم هم أبعد عن القواطع والمشوشات .
3. خوفا : وهذا الخوف يشمل أمورا :
- منها الخوف من عقاب الله لمن يستكبرون عن عبادة الله والتوجه إليه بالدعاء كما قال تعالى ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) (غافر ، 60) ، فالدعاء عبادة من العبادات تظهر ذل العبد وعبوديته لله سبحانه .
- الخوف من المعاصي أن تكون سببا في حرمان العبد الإجابة ومنعه التوفيق .
- الخوف أن يكون إعطاء الله ما سأله فيه استدارج له .
4. طمعا : وهذا المقام لا بد أن يقترن مع مقام الخوف الذي سبقه ، لأنه بالخوف وحده ييأس العبد ، وبالطمع وحده يركن العبد ويتكل فلا بد من خوف مع طمع ورجاء .
والعبد يطمع هنا بواسع رحمة الله ، فهو يعلم أنه يدعو ربا غنيا كريما واسع المغفرة لا يضره الإنفاق ولا ينقص خزائنه العطاء ، فيطمع أن يغفر الله ذنبه ويفرج همه ويجيب دعوته .
وهذا الطمع هو الذي يولد عند العبد الإلحاح على الله بالدعاء وعدم الاستعجال.
قال ابن تيمية رحمه الله " وذكر الطمع الذي هو الرجاء في آية الدعاء ، لأن الدعاء مبني عليه ، فإن الداعي ما لم يطمع في سؤاله ومطلوبه لم تتحرك نفسه لطلبه ، إذ طلب ما لا مطمع فيه ممتنع " .
والله أعلم