قال تعالى: ﴿مَن يَشفَع شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَهُ نَصيبٌ مِنها وَمَن يَشفَع شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَهُ كِفلٌ مِنها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ مُقيتًا﴾ سورة النساء: ٨٥
- فالكفل : هو النصيب المساوي أي المثل بالمثل - فمن شفع في حسنة فله مثلها.
أما النصيب: فهو جزاء مطلق وليس شيء محدد، وقد يصل إلى سبعمائة ضعف.
وفي الآية استخدمت كلمة كفل عند ذكر السيئة (له كفل منها) لأن السيئات تجزى بقدرها ولا يزاد عليها.
- أما الحسنة فتضاعف وتتسع وتعظم وقد تكون عشرة أضعاف وقد تكون أكثر.
لذا جاءت كلمة نصيب مع الحسنات لأن الحسنات تضاعف وتزيد.
- ففي الحديث الصحيح: عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ: "إِنّ الله كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسّيّئَاتِ. ثُمّ بَيّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَإِنْ هَمّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله عَزّ وَجَلّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ. وَإِنْ هَمّ بِسَيّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً... وَإِنْ هَمّ بِهَا فَعَمِلَهَا، كَتَبَهَا الله سَيّئَةً وَاحِدَةً" متفق عليه .
- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ : هِيَ الْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ .
وَالشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ: هِيَ الْمَشْيُ بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ .
وَقِيلَ: الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ هِيَ: حُسْنُ الْقَوْلِ فِي النَّاسِ يَنَالُ بِهِ الثَّوَابَ وَالْخَيْرَ .
والشفاعة السَّيِّئَةُ هِيَ: الْغَيْبَةُ وَإِسَاءَةُ الْقَوْلِ فِي النَّاسِ ينال به الشر، قوله كِفْلٌ مِنْها أَيْ: مِنْ وِزْرِهَا،
- وعليه : فكل الشفاعات تجوز بالشرع إلا الشفاعة في حد من حدود الله تعالى عندها فلا يكون هناك شفاعة مهما كانت منزلة الشخص - ولذلك عندما سرقت المرأة المخزومية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا أفضل من يشفع لها هو أسامة بن زيد الحب بن الحب ، فلما جاء أسامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع لها : غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أتشفع في حد من حدود الله تعالى يا أسامة؟؟!!! لقد كان فيما قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد! والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها!! أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- والشفيع يؤجر على ما قام به من جهد وإن لم تحصل الشفاعة : فعَنْ أَبِي بُرْدَةَ أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عن أبيه أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم جالسًا إذ جَاءَهُ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَوْ طَالِبُ حاجة فأقبل علينا بوجهه، فقال: «اشفعوا تؤجروا وليقض اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ»
- وعادة الناس في قضاء حاجاتهم يشفعون عند بعضهم البعض - خاصة إذا كان الذنب بالخطأ- كمن يقتل إنسان بالخطأ أو يعمل عملا دون قصد وتعمد وإصرار مسبق، فيذهب أهل الشخص المذنب إلى أولي الرأي والعقل والحكمة ومن يقومون بالإصلاح بين الناس ويدخلوا عليهم حتى يشفعوا لهم عند الطرف الآخر أو المعتدى عليه بغير قصد. ثم يعود الأمر إلى أصحاب الحق هل يتنازلوا عنه ؟ أو يخففوا مطلبهم؟ أو يعفوا ، أو يطلبوا الديّة وغير ذلك.
- وحري بالشفيع أن لا يذهب ليشفع في باطل أو ذنب متعمد كسرقة أو رشوة أو هتك عرض أو موالاة لعدو، وغير ذلك ، لأن صاحب الذنب عندما يرى الناس يقفون معه ويحاولون الدفاع عنه فإنه يتمادى ويذنب مرة تلو المرة ، والإسلام لا يريد الشفاعة الباطلة والقائمة على الباطل ، لأن إقامة الحد فيه الخير والصلاح للشخص وللمجتمع ككل.