ما الفرق بين الغزل عند الأعشى والغزل عند عنترة

يكثر شعر الغزل الّذي يصف فيه الشاعر محبوبته بطريقة جميلة، فكثيراً من الشعراء عبّروا عن حبّهم وعشقهم بالشعر الغزليّ الصريح والعفيف. يعد الغزل عند الأعشى صريح حيث يصف فيه مفاتن حبيبته ومظاهر جمالها، أمّا عنترة بن شدّاد فيتناول بغزله النواحي الخلقيّة لمحبوبته أي أنه غزل عفيف.

"ودع هريرة إنّ الركب مرتحل.. وهل تطيق وداعاً أيّها الرجل؟.. غراء فرعاء مصقول عوارضها.. تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل.. كأن مشيتها من بيت جارتها.. مرّ السحابة لا ريث ولا عجل.. تسمع للحليّ وسواساً إذا انصرفت.. كما استعان بريح عشرق زجل.. ليست كمن يكره الجيران طلعتها.. ولا تراها لسرّ الجار تختتل.. يكاد يصرعها لولا تشدّدها.. إذا تقوم إلى جاراتها الكسل"، هكذا يتغزّل الأعشى بمحبوبته "هريرة"، فنجده وصف مفاتنها بغزل صريح في الشطر الذي يقول فيه: "غراء فرعاء مصقول عوارضها".

بالنسبة لعنترة فيقول في وصف محبوبته بأبيات شعر غزليّ عفيف: "وكشفت برقعها فأشرق وجهها حتّى أعاد الليل صبحاً مسفرّاً عربيّة يهتزّ لين قوامها فيـخاله العشّاق رمحاً أسمراً محجوبة بصوارم وذوابل سمر ودون خبائها أسد الشرى يا عبل إنّ هواك قد جاز المدى وأنا المعنى فيك من دون الورى".

الأعشى "أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل" سمّي بالأعشى بسبب ضعف حاسّة البصر لديه، ولد قبل الإسلام بنصف قرن، وألقى الشعر كوسيلة لكسب الرزق عبر المدح والهجاء، واشتهر بشعر الغزل، لقبه "صناجة العرب" وذلك لحسن إنشاده الشعر، مات ولم يسلّم بالرغم من اقتناعه بدين الإسلام، إلا أنّ قومه أغروه بالمال.

بالنسبة لشعر الغزل يتطرّق فيه الأعشى لجمال المرأة ومدى شوقه وحنينه ولهفته عليها، ويميل الأعشى للغزل الصريح الّذي يصف جمال الجسم ومفاتن المرأة، نجد ألفاظ شعره رقيقة عذبة ملائمة للغزل وبعضها غريب مخالف للبيئة، والعبارات محكمة وموسيقيّة، واستخدم الأسلوب الإخباريّ والإنشائيّ، واعتمد التشبيه والاستعارة والكناية بالصور الشعريّة.

أمّا شاعر الغزل العفيف عنترة ابن أبي شدّاد أحد شعراء العصر الجاهليّ المغروم بابنة عمّه "عبلة" فإن شعره نابعاً من العواطف الصادقة الّتي تكمن داخل الشاعر ومزج بها الخيال وقدّمها بأسلوب جميل ورائع، وقد ارتبطت العاطفة في شعر عنترة نتيجة لعواطفه الشخصيّة والأليمة، والخيال المتضمّن في شعره الغزليّ الشعر فقد ظهر في خيال عنترة البيانيّ والتأليفي، يميل عنترة للغزل العفيف الّذي يعبّر عن الشوق وشدّة الحبّ دون ذكر مفاتن جسد محبوبته عبلة.

يعنى "شعر الغزل"بوصف الجمال، وإظهار الشوق إلى المحبوب، والشكوى من فراقه، وهو فنّ من فنون الشعر يهدف إلى التشبّب بالحبيبة بوصف محاسنها ومفاتنها. له قسمين: القسم الأوّل "الغزل العذريّ"، أي الغزل العفيف والغزل البدويّ، والقسم الثاني "الغزل الصريح"، ويسمّى بالغزل الحضريّ. 

 

واستخدم خیاله الواسع وأكثر من التشبیهات وعمد إلى استخدام التعابیر المجازیة فكانت الألفاظ والتراكیب التي يوظفها عنترة في شعره قویة، مليئة بالمشاعر الصادقة بعيدة كل البعد عن الفحش والمجون والتصريح, بل كان غزلاً عذرياً عفيفاً, ومن أمثلة عن الوقوف على الأطلال عند عنترة: 

هل غادر الشعراء من متردّم  *** أم هل عرفت الدار بعد نوهّم 

یا عبل قد هام الفؤاد بذكركم *** وأرى دیوني ما یحل قضاها 

 

وفي الغزل, يقول: 

ولقد ذكرتك والرماح نواهل ***  منّي وبیض الهند تقطر من دمي 

 

 

ومن أشعاره في الغزل: 

صَحاالقٌلبُ مِن ذكرَى قُتَيلةَ *** بَعدَما يَكُونُ لهَا مِثلَ الأَسيرِ المُكَبَّلِ 

لها قَدَمٌ رَيّا،سِبَاطٌ بَنَانُها، ***  قدِاعتدَلَت في حُسنِ خَلقٍ مُبَتَّلِ 

 وَسَاقانِ مارَ اللّحمُ مَوراً عَلَيهما، *** إلى مُنتَهَى خَلخالِها المُتَصَلصلِ