مفهوم الحرية البسيط ما زال معقدًا إلى يومنا هذا دون أسباب واضحة حقيقية تُذكر. الحرية كالمساواة، غالبًا ما يدعمه الجميع عدا استثناءات قليلة. إلا أنه عند تطبيق المفهوم على موقف معين فربما تختلف الآراء تمامًا عند كثير من الناس. ومن هنا فيبدو الأمر زائفًا، حيث أن ما يظهر كغلافٍ خارجي لا يشبه أبدًا ما يوجد داخل الكتاب.
دعني أخبرك قليلًا عن مفهوم الحرية بالضبط.. الحرية كما تُعرف للجميع هي القدرة على الاختيار دون وجود أي قوة أخرى خارجية تجعل هذه الاختيار بالإجبار والإكراه. وقد تكون هذه القوة فردًا آخر، وربما تكون حكومة، أو منظمة أو مؤسسة ذات توجه أو هدف معين. أي أن وجود القوة المتحكمة باختيار الفرد هي العكس تمامًا من مفهوم الحرية.
من الأمور التي يخطئ الناس بفهمها أو يسيئون ربط مفهوم الحرية بها غالبًا ما تكون لأسباب واقعية. مثلًا إن تم زج رجلٍ بالسجن نتيجة تعاطيه للمخدرات أو أي مواد أخرى ضارة، فإن المرء يجد أن ذلك الرجل قد تم الحد من حريته. لكن الصحيح أن نقول إنه ليس أقل حرية من غيره، لأنه يلاقي جزاء ما سببه إدخال مواد ضارة إلى جسمه، أي أن هذه هي مجرد نتيجة طبيعية للقيود الواقعية وليس فرضًا بالإجبار والإكراه على الحبس ظلمًا.
من الأمور التي قد تسهل عليك فهم الحرية بشكل أكبر هي الوعي للفرق بين مفهومي الحقوق السلبية والحقوق الإيجابية. تتطلب الحقوق السلبية أن لا يقوم أصحابها بأي إجراء، مثل حق الفرد بأن لا يتم الاعتداء عليه. بينما تكون الحقوق الإيجابية متطلبة لإجراءات من الآخرين، وهذه كـحقوق الحصول على رعاية صحية أو تعليم مجاني. أما ما يدافع عنه الليبراليون هي الحقوق السلبية، حيث أنها المتأثرة أمام الحقوق الإيجابية. والحرية تكمن في أن تكون الحقوق السلبية هي المحمية.
إن كنت تتساءل عن المشكلة فإليك هذا المثال الذي يمثل كيف أن للحقوق الإيجابية أن تنتهك حقوق الشخص السلبية. عندما يتمتع شخصٌ ما بحق التعليم المجاني، فإن هذا ينتهك الحق السلبي لشخص آخر عندما يضطر هذا الآخر للدفع مقابل خدمة التعليم. وإن كنت تفكر في ما يبدو عليه الوضع إن تم منح هذا الحق الإيجابي لكل فرد، فعليك أن تنتبه أنه لا زال هناك انتهاكٌ للحقوق السلبية طالما أن هناك من لم يعف من الخدمة.
تخيل وجودك وحدك على جزيرة، حيث لا يوجد هناك من يسلبك حريتك، أي أنك تملك هنا الحرية المطلقة. لن يتم انتهاك حقوقك السلبية هنا أبدًا. إلا أنه إن تم تخيير شخص بين العيش على جزيرة وبين العيش في أحد المجتمعات العادية، سيختار أن تنتهك بعض من حرياته وحقوقه السلبية على أن يحظى بحريته المطلقة على جزيرة معزولة.
لحسن الحظ فإن الأمر ليس محصورًا على خيارين فقط. إن المجتمعات الحرة هي المجتمعات التي تظهر نسبة ازدهار أعلى، حيث أن أفرادها يميلون لاختيار المخاطرة بالاستثمار حيث أن حقوقهم السلبية -مثل حماية حقوق الملكية- تكون مصانة ومحمية. عندما يشعر الفرد بأن أهدافهم وحقوقهم ذات طرق سهلة فإنهم يستمرون بالتقدم، ويتداولون ويتفاعلون طوعًا وبحرية. ومن هنا يستفيد المجتمع بعد أن يستفيد الفرد. ويحصل المجتمع على مستوى معيشة أفضل، وذلك يتمثل في رعاية صحية وتعليم أفضل دون الحاجة إلى فرض وإنفاذ الحقوق الإيجابية المؤثرة على الأخرى السلبية.
لذا من هنا علينا أن نفكر أكثر في مفاهيم الحرية التي نعرفها، وأن نبحث في ما كان ما نسعى إليه صحيحًا وعادلًا أم العكس. ولا يحصل ذلك قبل فهمنا الصحيح للحرية.