لأن هوايتي المفضلة تتمحور حول الرسم والنحت وغيرها من الفنون التشكيلية، تجدني أتابع بشغف أخبار الفنانين العالميين، وما يصنعونه من مشاريع، وما يضعونه من أعمال في المعارض الفنية، ومؤخرا جذب انتباهي عمل فني في غاية الغرابة، لفنان إيطالي، أطلق على عمله الفني اسم "المنحوتة الغير مرئية".
بالطبع في عالم الفن، لا توجد قواعد متبعة، فقط توجد الآراء والتفضيلات، ولكل شخص الحرية في إبداء رأيه فيما هو جميل وملفت، إلا أن الفنان والنحات الإيطالي الأصل "سيلفادور جاراو" قام مؤخرًا بعرض عمله الفني الغير مرئي للبيع في المزاد العلني، وتم بيعه بمبلغ خمسة عشر ألف يورو، أي ما يعادل أكثر من ثمانية عشرة ألف دولار أمريكي.
المنحوتة الغير مرئية، أو الغير موجودة، سماها "منحوتة Lo Sono "، أي منحوتة "أنا"، عبارة عن تمثال غير مرئي، موجود في مكعب شفاف حجمه حوالي متر ونصف متر مكعبًا، ويشرح جاراو أن هذه المنحوتة موجودة، ولكن بشكل غير مادي، مما أثر جدلًا وانتقادات عديدة، بسبب بيعه لـ"لا شيء"، إلا أن الفنان ذو السبعة وستين عامًا، دافع عن نفسه وعن فنه، قائلًا بأنه ليس "لا شيء"، إنما هو الفراغ، حيث أن الفراغ ليس أكثر من مساحة مليئة بالطاقة، وأن عمله الفني هذا جديد، ومن المستحيل إعادة إنتاجه.
وتأكيدًا على فكرة أنها موجودة حتى لو تكن تراها، قام الفنان بإصدار شهادة ملكية للشخص الذي قام بشراء العمل منه، وهو الأمر الملموس الوحيد الذي حصل عليه المشتري، وهذه الشهادة مختومة وموقعة من جاراو شخصيًا.
ولم يكن هذا عمله الغير مرئي الأول، فقبل هذا العمل، كان جاراو قد عرض تمثالًا ماديًا غير مرئي آخر، في ساحة Piazza della Scala في ميلانو، وكانت بعنوان "بوذا في التأمل".
بالطبع لا يمكنك رؤية هذا العمل، إلا أن الفنان يقول بأن هذا العمل سيبقى في ذلك الفراغ إلى ما لا نهاية، وأنه مصنوع من الهواء والروح، وأن هذا التمثال يهدف إلى تنشيط خيال المشاهد.
وهو ليس الفنان الوحيد الذي يقوم بالأعمال الفنية الغير مرئية، فهناك أيضًا الفنانة "لانا نيوستورم" والبالغة سبعة وعشرون عامًا، بدأت بخوض عالم الفن وصنعت لنفسها اسما وسط مجتمع الفنانين، فهي تصنع الأعمال الفنية الغير مرئية، والموجودة فقط في خيالها، وهي تصف أعمالها بأنها غير قابلة للوصف، وتقوم بعرضها في المعارض ويبيعها بآلاف الدولارات.
في حقيقة الأمر، لا أستطيع فهم جميع الأعمال الفنية، إلا أن (جاراو ولانا) قد يكونان على الحق، لأن تعريف الفن في الحقيقة هو أنه طريقة الإنسان في التعبير عما يدور في خياله بطريقة إبداعية بصرية، ويتم تقدير العمل الفني بحسب جماله وقدرته على التأثير على مشاعر الآخرين. لا أعرف كيف يقتنع الأثرياء باقتناء هذه الأعمال الفنية الخالية عديمة اللون والشكل والأبعاد!، ولكن كما يقول المثل الشعبي "كل فولة ولها كيال".