قد يُكثر الكلام في الأسباب التي من شأنها جعل الإنسان قلقاً بشأن مستقبله، ولكن برأيي الشخصي أن سبب ذلك يعود بشكل رئيسي إلى طبيعة الإنسان التي خُلق عليها في كُثرته للهلع والفزع، فلقد قال الله تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا).
فالإنسان وخاصة عندما يبدأ بالبلوغ ووصوله لمرحلة الشباب يبدأ بالتفكير في مستقبله، كأن ينجح في تحصيل المال الذي يؤمِّن له عيشةً رغدا أم لا؟، خاصةً في الظروف التي يعيشها الناس اليوم من انحدار اقتصادي وتفشّي للبطالة، فيبدأ الإنسان الشاب بالنظر لمن حوله من الناس ويقول ويستفسر: إن كنت سأدرس وأنفق على الدراسة اليوم ولا أملك من مقومات لحصولي على وظيفة في زمن الواسطة والمحسوبية فلماذا أدرس؟، إضافة إلى الناس التي تتزوج وتنجب أولاداً، حينها يبدأ القلق يزداد عندهم على أولادهم ومستقبل أولادهم، فتبدأ الأسئلة: هل سيكبر ويتعلم ويتزوج وأشاهد أحفادي؟.
والكثير من الأمثلة التي يعيشها الناس والتساؤلات التي يطرحها الإنسان على نفسه بسبب خوفه من المستقبل؟ وأبرز مثال يمكن لنا الحديث فيه هو الخوف من مستقبل النتائج التي ستحصل للإنسان ما إن تلقّى لقاح فيروس كورونا؟
لكن هل القلق والخوف بسبب المستقبل شأن يجب على الإنسان التعايش معه وبشكل اعتيادي إن كان فعلاً طبيعية من خلق الله عزَّ وجل؟
بالتأكيد، لا، لأن الله الذي خلق الإنسان هلوعاً جعل من طبيعته هلوعاً كي يبقى دائماً على استعداد وجاهزية لما هو قادم وجديد، فهو يبقى على عملٍ دائم ومثابر في تحقيق الإنجازات والنجاحات، دون أن يتطرق أو أن ينظر لما سيقدمه المستقبل له، مع ضرورة الأخذ في خطوات العمل قبل الإقدام عليها.
فلقد ورد في الأثر عن الصحابة الكرام قول: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً).
ولو كان على الإنسان أن يعلم المستقبل وما فيه لما وصل إلى ما وصله اليوم من إنجازات وحضارة وتقدّم في العلوم، لذلك جعل الله المستقبل خفيّاً على الإنسان، عليه المثابرة وعليه الأخذ في الأسباب وجعل الأمور دائماً موكلةً إلى الله عز وجل بالدعاء مسبوقة بالعمل من الإنسان نفسه.
فلو كان النبي محمد ﷺ خائفاً من أعداد قريش في غزوة بدر لما خرج مع صحابته وقاتلهم حتى النصر، فلقد أخذ النبي محمد ﷺ بالأسباب ثم دعا الله عز وجل لنصرته هو وصحابته الكرام. والكثير من الأمثلة في السيرة النبوية التي تدل على أن النبي محمد ﷺ قد أخذ بالأسباب واجتهد وعمل وتوكَّل على الله عز وجل دون القلق في المستقبل.
قال النبي ﷺ: (المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنِّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان)
إذن، الخوف والقلق من المستقبل طبيعة بشرية أوجدها الله عز وجل فينا لحكمته عزَّ وجل، وربُّ العزّة قال لنا في كتابه الكريم: (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا)، وأتبع الدواء لذلك الهلع والجزع والمنع بالآيات الآتية حيث قال: (إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ*...) إلى الآية رقم 35 من سورة المعارج.