لماذا شرع حد الزنا؟

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
٠٩ ديسمبر ٢٠٢٠
قبل ٤ سنوات
حد الزنا هو الجلد مائة جلدة للزاني غير المحصن والرجم بالحجارة حتى الموت للزاني المحصن بالقران والسنة وإجماع علماء الأمة ، وذلك إذا ثبت الزنا بالبينة الشرعية المعتبرة وهي شهادة أربع شهود أوالإقرار ، مع توافر باقي الشروط المعتبرة في الفعل ليعتبر زنا موجبا للحد وفي البينة الشرعية والمذكور تفاصيلها في كتب الفقه .

وهذا الحد شرع لحكمتين رئيستين :
الحكمة الأولى : الردع والزجر ، فإقامة الحد وعقوبة الفاعل بهذه العقوبة المؤلمة الشديدة فيها :
- ردع للزاني عن تكرار فعله خاصة لما يعلم أي فضيحة ستناله لما يجلد على ملأ من الناس ، وهذا في حق الزاني غير المحصن ، أما المحصن فإذا ثبت فعله بالبينة الشرعية فإن إقامة الحد عليه يعني موته فالعقوبة رادعة له قبل فعله أما بعد فعله فيتحقق في حقه الحكمة الثانية من الحد.
- وفيها ردع لغير الزاني من سائر الناس عن فعل مثل فعله لما يرى العقوبة والفضيحة .

وهذا الردع والزجر إنما كان بمثل هذه العقوبة الأليمة ولم يجعل له عقوبة أخف لخطر وعظيم جرم هذه الفاحشة ، لإنها تؤدي إلى اختلاط الأنساب ودمار الأسر وشيوع الخنا وهذا مؤذن بانحلال المجتمع ، فجريمة بمثل هذه الخطورة مع وجد نوع دافع لها وهو شهوة النساء ناسبت عقوبة شديدة تزجر الناس عنها في غالب الحال.

قال تعالى ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) ( النور ، 2)
الحكمة الثانية : هي تطهير الزاني من إثمه وعظيم جرمه ليلقى ربه سليما نظيفا من إثم هذه الفاحشة يوم القيامة ، فيسهل حسابه ويهون موقفه ، وهذه حكمة عظيمة لا يلتفت لها إلا أصحاب النفوس المؤمنة التي تعلم أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، كما حصل مع قصة المرأة الجهنية التي زنت في عهد النبي عليه السلام .
روى مسلم في صحيحه عن عمران بن حصين أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى فقالت يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها ففعل فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى

وهنا تنبيه وهو أنه الإسلام يحب الستر ولا يرغب بشيوع ذكر هذه الفاحشة في المجتمع حتى لا يتهاون فيها الناس ، لذلك حض العصاة كثيرا أن يستروا على أنفسهم إذا ارتكبوا هذه الفاحشة ودعاهم إلى التوبة فيما بينهم وبين ربهم فهو أولى من طلبهم إقامة الحد وفي الحديث ( فمن ابتلي بشيء من هذه القاذروات فليسستر بستر الله تعالى وليتب إلى الله تعالى ) .

وقد ابتلينا في هذا الزمن بمن يستبشع مثل هذه العقوبة الإليمة بحق الزناة ويجعل فيها شدة تتنافى برأيه مع رحمة الإسلام ، فحاول ان ينكر مثل هذا الحد أو ينكر حد الرجم على الأقل ، وهذا من ضعف نظره لإنه نظر إلى حالة فردية فأراد برأيه أن يرحمها ونسي أن الله أرحم بعباده منا ، وأنه سبحانه لولا أنه علم المصلحة في هذه العقوبة لما شرعها ، ثم أين رحمتنا بالمجتمع لما نترك مثل الجريمة والفاحشة تشيع فيه أو يسكت عنها أو يتهاون فيها  !
 
والواجب على المسلم دائما أن يقف عند حكم الشرع ويلتزمه ويسلم له ويعلم أن فيه المصلحة والخير والصلاح والفلاح ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) .

 والله أعلم