ومن قال إن أبا بكر الصّدّيق رضي الله عنه وأرضاه لم يبكي حبيبه ورفيق دربه وصاحبه في الغار؟؟!!!
- فقد ورد عن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: "إنَّ أبا بكر رضي الله عنه أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل، فدخل المسجد، فلم يُكلِّم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُغشًّى بثوب حَبِرةٍ، فكشف عن وجهه ثم أكبَّ عليه فقبَّله، وبكى"؛ متفق عليه.
- وبعد ذلك خرج أبا بكر إلى الناس ليخبرهم بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه انتقل إلى الرفيق الأعلى وعن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن عبدًا خيَّره اللهُ بين أن يُؤتِيَه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده، فاختار ما عنده)، فبكى أبو بكر، وقال: يا رسول الله، فَدَيْناكَ بآبائنا وأُمَّهاتنا، قال: فعجِبنا، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يُخبِرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عَبْدٍ خيَّره الله بين أن يُؤتيَه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عند الله، وهو يقول: فَدَيْناك بآبائنا وأُمَّهاتنا، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيَّر، وكان أبو بكر هو أعلمنا به.
- وكانت خطبته عبارة عن تثبيتاً ومواساةً لله وللصحابة رضوان الله عليهم وخاصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه - الذي وقف وأشهر سيفه وقال: من يقول إن رسول الله قد مات ضربت عنقه بهذا السيف.
- فخرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى المسجد وعمر يكلم الناس فقال أبو بكر: اجلس يا عمر، فأبى فكلمه مرتين أو ثلاثا، فأبى ، فقام فتشهد فلما قضى تشهده قال : أما بعد ، فمن كان يعبد محمدا فإن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قد مات، ومن كان يعبد الله ، فإن الله حي لا يموت، ثم تلا : قوله تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) سورة الأنبياء (34)، وقوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) سورة آل عمران (144) فما هو إلا أن تلاها فأيقن الناس بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قال قائل : لم يعلم الناس أن هذه الآية أنزلت حتى تلاها أبو بكر.
- قال الزهري: فأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال: لما تلاها أبو بكر: عقرت حتى خررت إلى الأرض وأيقنت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد مات.
- فتماسك أبا بكر رضي الله عنه كان عن حكمة ودراية رغم أنه كان رقيق القلب بكّاء ، ولكنه لو جلس يبكي مع باقي الصحابة ولم يفعل شيئاً ورضي بقول عمر بن الخطاب وانفعاله لكانت فتنة كبيرة قد يكون من ورائها قتل وردة عن الإسلام فوراً، وخوفاً على مستقبل هذا الدين بشكل عام . ثم أن أبا بكر كان أكبر الصحابة سناً وهو بمنزلة عظيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك من المؤمنين، فإذا قال قولاً صدقوه ونفذوه، ولا يقول عن صاحبه وحبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد مات إلا إذا كان متأكداً من هذا الكلام.
- أما عن بكاء ابا بكر وعمر فقد ورد في عدة رويات في عدة مواقف منها :
1- بكاء أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الصلاة:
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: (مُرُوا أبا بكرٍ يُصلِّي بالناس)، قُلتُ: إن أبا بكر إذا قام في مقامِك لم يُسمِعِ الناسَ من البكاء، فمُرْ عُمَرَ فليُصَلِّ بالناس".
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " كان أبو بكر رجلًا بكَّاءً، لا يملِكُ عينيه إذا قرأ القرآن"؛ متفق عليه.
2- وكاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أُتِي بكنوز كِسْرى:
عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، قال: "لما أُتي عمر رضي الله عنه بكنوز كسرى، قال له عبد الله بن أرقم الزهري: ألا تجعلها في بيت المال، فقال عمر رضي الله عنه: لا نجعلها في بيت المال حتى نقسمَها، وبكى عمر رضي الله عنه، فقال له عبد الرحمن رضي الله عنه: ما يُبكيك يا أمير المؤمنين؟ فوالله، إن هذا لَيَوْمُ شُكْرٍ، ويومُ سُرُورٍ، ويومُ فَرَحٍ، فقال عمر: إن هذا لم يُعْطِهِ اللهُ قومًا قطُّ إلا ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء"؛ أخرجه البيهقي في السنن الكبرى.
3- وبكاء عمر رضي الله عنه عندما رأى الحصير قد أثَّر في جنب الرسول عليه الصلاة والسلام:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيتُ أثَرَ الحصير في جنبه فبكيتُ، فقال عليه الصلاة والسلام: (وما يُبكِيكَ؟)، فقلتُ: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة) "؛ أخرجه البخاري.
4- وبكاء أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لبكاء أم أيمن رضي الله عنهم:
عن أنس رضي الله عنه قال: "قال أبو بكر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر: انطلق بنا إلى أُمِّ أيمن نزورُها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورُها، فلما انتَهَيَا إليها، بَكَتْ، فقالا لها: ما يُبْكيك؟ فما عند الله خيرٌ لرسوله، قالت: إني لأعْلَمُ أن ما عند الله خيرٌ لرسُولِه، ولكن أبكي؛ لأن الوحي انقطع من السماء؛ فهيَّجَتْهُما على البكاء، فجعلا يبكيان معها"؛ أخرجه مسلم.
5- وبكاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبكاء الرسول عليه الصلاة والسلام، وأبي بكر الصديق رضي الله عنه :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو قاعد وأبو بكر، وإذا هُما يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخْبِرني: ماذا يُبكيك أنت وصاحِبُك؟ فإن وجدت بكاءً بكيتُ، وإن لم أجد بُكاءً تباكيتُ لبُكائكما"؛ أخرجه أحمد.