لماذا أمر النبي بالابتعاد عن موائد الخمر؟

2 إجابات
profile/د-محمد-ابراهيم-ابو-مسامح
د. محمد ابراهيم ابو مسامح
ماجستير في التربية والدراسات الاسلامية
.
٢٢ أبريل ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
في البداية علينا أن نعلم علم اليقين أن الله تعالى لم يحرم علينا شيئاً إلا وفيه مصلحة لنا سواء كانت صحية أو شرعية أو لحكمة هو سيعلمها سبحانه وتعالى.

-ففي الحديث الشريف الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر) أخرجه الإمام أحمد والترمذي بإسناد حسن.

- فالحكمة من التحريم على مائدة يقدم فيها الخمر:
أولاً: لأن في الجلوس معهم قد يكون وسيلة إلى مشاركتهم في عملهم وهو شرب الخمر، أو الرضا به، وقد قال الله سبحانه وتعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [سورة الأنعام: 68].

- وقوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ) [سورة النساء: 140].

- ولي تجربة شخصية حيث كنت مرة في سفر بالطائرة وأثناء تقديم وجبة الطعام وإذا بالشخص الذي يجلس بجانبي يطلب وسكي! صراحة تضايقت كثيراً وتذكرت مباشرة حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر) وأخذت أبحث عن مكان فارغ في الطائرة فلم أجد فشعر النصراني الذي يجلس بجانبي أني تضايقت وقال لي أنه غير مسلم، ومع ذلك تضايقت كثيراً واستغفرت ربي على هذا الجلوس الاضطراري!

ثانياً: الخروج من لعنة الله تعالى، فهناك عشرة أصناف ملعونين ممن يتعاملون في الخمر ففي الحديث الصحيح: (عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها." وهذا الحديث صححه الألباني في صحيح الجامع، والجلوس على مائدة فيها خمر داخل في هذا الحديث.

ثالثاً: لقد ثبت علمياً بأن لرائحة الخمر أثر سلبي على من يشتمها كأثر رائحة التدخين لمن لا يدخن أو ما يسمى (بالتدخين السلبي) فالمادة المتبخرة من كأس الخمر تؤثر على من يستنشقها وخاصة على الخلايا العصبية في الدماغ! كما يؤثر هذا البخار المنبعث على عمل دقات القلب وضغط الدم، ويؤدي إلى صداع واكتئاب وقد يدخل المستنشق في غيبوبة!!

- فالخمر له أضرار كثيرة منها:

- فيه من الأذى والإسكار للشارب.
- إن خمر الدنيا يذهب العقول ويغتالها ويضر بالأبدان.
- يبعد العبد عن الطاعات ويصده عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة.
- يؤدي إلى الوقوع في المشاحنات والبغض بين الناس.
- وقد ذكر الله تعالى الخمر بالقرآن الكريم.

قال تعالى في الحديث عن خمر الدنيا: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ سورة البقرة آية 219

كما ذكره بالقرآن بأن من يشرب الخمر لا ينبغي له أن يقرب الصلاة حتى يكف عن الشرب لأنه يذهب العقل ولا يعلم ما يقول فقال الله تعالى

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) سورة النساء آية 43

  • وشارب الخمر يدخل في المحرمات واللعن والوقوع في البغضاء والعداوة 
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا إَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) سورة المائدة الآيات 90/91/92.

والله عز وجل سيكافئ المؤمنين الذي انصاغوا لأوامره بالجنة التي ذكرها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال أحد ومن بين النعم التي أنعم الله تعالى على عباده أنهار من عسل ومن لبن ومن خمر.
 
فسيكون طعم العسل والخمر واللبن يختلف كليا عن أوصافهم بالدنيا 
ولا نستطيع أن نتصور الطعم مهما تخيلنا ومهما سمعنا عنهم 

وقد ذكر الخمر أيضا في الأحاديث النبوية:
  1.  فعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام". رواه البخاري.

  2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن". رواه مسلم والبخاري.

  3. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: (مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ) رواه البخاري ومسلم 
 
  • قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
في هذا الحديث دليل على تحريم الخمر، وعلى أن شربها من الكبائر؛ لأن هذا وعيد شديد يدل على حرمان دخول الجنة؛ لأن الله عز وجل أخبر أن الجنة: فيها أنهار من خمر لذة للشاربين، لا يصدعون عنها ولا ينزفون، والظاهر أن من دخل الجنة، لا بد له من شرب خمرها

فقد حكم الله تعالى على الخمر بأنه رجس وإنه من عمل الشيطان ولم يطلق الله تعالى على كلمة أو لفظ الرجس إلا على الأوثان ولحم الخنزير، وهو يدل على التنفير، والزجر الشديد.

لذلك حرمه الله في الدنيا. والله تعالى أعلم 

profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
٢٩ ديسمبر ٢٠٢٠
قبل ٤ سنوات
جاءت الشريعة بتحريم الإقرار على المنكرات عموما ومنها الخمر ، وجعلت إنكار المنكر فرضا على من حضره باليد فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان ، والإنكار بالقلب يقضي كراهة المسلم للمنكر وتمعر وجهه وعدم حضوره إذ لم يكره على ذلك إكراها يعذر فيه ، ولا يكفي لإنكار المنكر ألا تشارك فيه ، بل مجرد جلوس الإنسان في مجلس فيه معصية دون إكراه على ذلك وسكوته على ذلك يعد أحد المشاركين في هذا المنكر .

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة: أنكرها - كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها. رواه أبو داود.

قال الله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ) (النساء 140 ).

وقال : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (الأنعام 68 ).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم .

فهذا  بخصوص المنكرات عموما ، والحكمة من ذلك أن الشارع أراد ألا يتساهل الناس في المنكرات ويألفوها فيدفعهم إلفها وعدم إنكارها لاحقا إلى الوقوع فيها ، ولا يعود يشعر صاحب المنكر بإثم بمنكره وخطأ فعله فهو يعيش بشكل طبيعي مع الناس ولا يجد من ينكر عليه ، وهو ما يشجعه على منكره أكثره ، وبالتالي تشيع المنكرات في المجتمع المسلم ويفشو فيه الفسوق والفجور .

وهذا ينطبق على شرب الخمر وغيره من المنكرات ، فمن جلس على مائدة يشرب فيها الخمر  فهو مقر لهم على منكرهم مشارك لهم في معصيتهم : 

روى الإمام أحمد في مسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر : فلا يقعد على مائدة يشرب عليها الخمر " ( والحديث صححه الألباني ) .

 وروي أنه جيء برجل كان مع قوم شربوا الخمر ولم يشرب معهم إلى عمر بن عبد العزيز ، فأمر أن يضرب الحد مثلهم فقيل له إنه صائم ! فقال ابدأوا به وتلا قول الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ [النساء:140].

والله أعلم