نستيقظ في الصباح ليبدأ معه يوم يلفه الضجيج بكل تفاصيله، نعبر طرق مدينتنا المليئة بفوضى الزحام، والأصوات المتداخلة كسمفونية موسيقية يترأسها صوت الطبول في أذهاننا، ليجعل من أرواحنا تتراقص على إيقاع الضجيج، ننغمس في أعمالنا اليومية مما يجعلنا ننسى أنفسنا داخل دوامة الحياة، ليأتي هدوء الليل و يلقي قصيدته، ويتخلل الصمت زوايا الكون، و يبقى القمر يسطع بنوره على أرواحنا المتعبة يواسيها ويمسح ما تبقى من آثار ضوضاء النهار.
ولعل العزلة عند بعضنا هي السبيل الوحيد للابتعاد عن ضجة الواقع، و الانخراط بعالم أنفسنا وسماع صوتها الداخلي؛
التي من خلالها يتمكن الفرد من التفكير والتواصل مع نفسه بكل شفافية، و ينغمس في هدوء روحه الذي بدوره يعبر بصمت عن أنين ناي قلبه، و طبول عقله ليتمكن من ترجمة فلسفة نفسه، و يستطيع تجاوز ما تركته الحياة به من آثار، لذلك أصبح يميل أغلب البشر الى العزلة .
إن التطور الذي طرأ على حياتنا أدى بنا للانغماس في ضوضاء التكنولوجيا، و أصواتها المرتفعة مما جعل من أرواحنا تحمل نوعاً من أنواع التعب، وتحتاج من فترة الى أخرى إلى العمل على ممارسة مبدأ الإبتعاد و التكور في دائرة بعيدة عن الواقع أطلق عليها إسم العزلة.
يمكن للفرد ان يتعرف الى نفسه اكثر في هذه الاوقات ويمارس مواهبه و يطبق شغفه بدون قيود الزمن و الواقع، من خلال العزلة يستطيع الفرد أن يزرع شعور الطمأنينة في قلبه و يتجاوز العديد من المشاكل التي تؤرق نومه و المحاولة على إيجاد حلول لها بهدوء بدون تدخل احد بالقرارات التي يتخذها.
أن العزلة في بعض الأحيان قد تكون شفاء لأرواحنا و تمكننا من شحن طاقتنا، و الرجوع بصورة قوية للواقع، ولكن ما أقصده هنا هي العزلة الإيجابية التي يستطيع الفرد من خلالها إكتشاف ذاته، و التأمل، و ممارسة هوايات مفيدة تزيد من معرفته، و تجعله اكثر قوة و وعي، أما اذا استعمل الفرد مبدأ العزلة بصورة خاطئة فإنه يصبح أقرب لمسمى الانطواء والابتعاد عن النفس، مما يؤدي بالفرد الى قلة الثقة بالنفس التي تؤدي الى تدهور شخصيته بصورة سلبية.
لذلك عندما نختار ان نبتعد قليلاً عن العالم يجب ان نستمتع بعزلتنا، و ننشر المحبة في داخلنا، لنستطيع الوصول الى جوهر أنفسنا الداخلي، و نزيد من ثقتنا بأنفسنا بصورة تجعلنا نعود بقوة للواقع، و نجابه ضوضائه بكل تفاني وأمل.