كوننا نحن الآن في شهر فبراير الذي يحتفل به العالم بيوم التفكير العالمي، من المناسب حقًا أن تتخلص من هذه العادة التي لم تكن أنت السبب الرئيس في نشؤها، وتحتفي بالأفكار المبدعة التي يكونها عقلك المهيب الذي خلق ليساعدك على التطوير من نفسك وللقيام بالمهمة النبيلة التي خلقت من أجلها.
السبب الذي ترجع له هذه العادة المرهقة يعود إلى حياتك المبكرة بالسن الذي يسبق الذهاب إلى المدرسة، إذ تبدأ به تدريجيًا بالبحث على طرق لممارسة استقلاليتك وتحقيق إرادتك. فيعود سبب التفكير المفرط الذي تمر به بالطريقة التربوية التي تم اتباعها من قبل والديك.
فإذا كان والديك من النوع الذي يفرط في حمايتك ويرفض تجربتك للتجارب والأفكار الجديدة، أو كانا من النوع الذي ينتقدك ويقلل منك ومن أفكارك بشكل مفرط؛ سينتهي بك الأمر بالشك في تفكيرك وصحته، وستمتلك من بعدها ردة فعل اتجاه أفكارك لا تسمح لك إلا بالتفكير بالأمور دون السماح لنفسك بتطبيقها.
والحالة الثانية تعود إلى انتهاج والديك أسلوب لتوضيح أفكارهم بطريقة لا تناسب التطور الدماغي الذي امتلكته حينها؛ فتجد نفسك في سن صغير في حالة دائمًا من التخمين لما يريده والداك منك لتجنب العقاب أو لتحصيل اهتمامهم الذي تحتاج إليه فترتها.
من المهم فهم السبب الأكبر وراء التفكير الزائد الذي تمر به لكي تتوقف عن لوم وكره نفسك على أمر تكون من مصادر خارجية، وليس طبعًا لتحويل اللوم على والديك أو الشخص الذي قدم لك الرعاية في تلك المرحلة؛ فرمي اللوم بالأرجاء لن يعطيك أي نتائج فعلية ومفيدة.
هدفك الأساسي يجب أن يكون وضع تركيزك على الأمر الذي تمتلك التحكم والمسؤولية التامة اتجاهه؛ الذي وهو الحد من هذه العادة. وينصح المختصون النفسيون بالأمور الآتية لوضع الحد للعادة التفكير الزائد:
1) لاحظ الأوقات التي تفكر بها كثيرًا: فالخطوة الأولى والأهم لوضع الحد للتفكير الزائد هي إدراك اللحظات التي تفكر فيها بشكل زائد؛ لكي تتعامل معها وتطبق بقية الخطوات عليها. انتبه للأوقات التي تجد فيها نفسك تفكر بأفكار عقيمة وغير فعالة، وأخبر نفسك بحزم أنها أفكار لا تفيدك وستضر راحتك، ولا تسمح لنفسك بالرجوع لمناقشتها من بعد إدراكك إياها.
2) قم بالوقوف بوجه أفكارك: أثناء التفكير الزائد نرى الأمور بحجم يفوق الحجم الحقيقي بطريقة سلبية ومؤذية. حاول في المرة القادمة التي تمر بها في حالة من التفكير الزائد بالتفكير بالصورة الكبيرة؛ فإذا وجدت نفسك تفكر مفرطًا بشأن أحد الامتحانات أو المشاريع، اسأل نفسك "هل سيكون هذا الأمر مهمًا حقًا بعد 5 لـ 10 سنين من الآن؟ "، "هل التفكير بهذا القدر سيساعد على حل وتحسين الأمور؟".
ومن الخدع الأخرى التي بإمكانك القيام بها هي تقييم تفكيرك من وجهة نظر شخص آخر؛ فقم بكتابة هذه الأفكار التي ترهق تفكيرك على ورقة وقم بالتفكير بصلاحيتها وفعاليتها من وجهة نظر خارجية (كما وكأنك تفكر بمشكلة صديق لك). فإذا كنت متوترًا وتفكر بشكل زائد بسبب أحد الرحلات التي ستذهب لها -مع أنك خططت لها بشكل متقن-، قم بكتابة هذا الأمر والنقاط التي توترك على ورقة واسأل نفسك؛ "هل من الممكن أن تحدث هذه الأمور حقًا؟ "، "هل امتلك دلائل على إمكانية حدوث مثل هذه الأمور؟ ".
3) ارجع بتفكيرك إلى الحاضر: وينصح بممارسة تمارين التأمل ورياضة اليوغا للقيام بذلك. لكن إذا كنت لا ترغب أو لا تمتلك الوقت الكافي للممارسة هذه الأمور؛ قم بتجربة الأفكار الآتية التي تساعدك على الوصول لحالة اليقظة والعيش في الحاضر (Mindfulness):
أ* انفصل لفترة من الزمن: قم أثناء وقت محدد بشكل يومي بفصل نفسك عن الأشخاص من حولك، وعن هاتفك المحمول والأجهزة الإلكترونية مثل الحاسوب والتلفاز، وأمضي هذه الفترة بالقيام بنشاط واحد تحبه بتركيز كالرسم مثلًا. تجنب دمج النشاطات أو إرفاقها بأمور جانبية أخرى كمشاهدة التلفاز أو الاستماع للموسيقى أثناء قيامك بالنشاط؛ الهدف هو أن تضع تركيزك في كل خطوة تقوم بها في هذه الأثناء لا ممارسته للاستمتاع فقط.
ب* تناول الطعام بيقظة: قم بتحضير الطبق المفضل إليك وتناوله بعيدًا عن المشتتات كمشاهدة التلفاز مثلًا. استشعر في كل لقمة تتناولها في هذا الطبق لذتها والطريقة التي تنتشر النكهات اللذيذة في فمك وعلى لسانك، لاحظ لون الطعام والأصناف المتواجدة على المعلقة قبل تناولك إياها، لاحظ رائحة الطعام والمشاعر التي يحفزها هذا الطبق المحبب.
فعلى سبيل المثال أثناء تناولك للزبيب لاحظ اللون الخارجي له، هل هو زبيب أبيض؟ هل لونه أحمر؟، هل يمتلك هذا الزبيب رائحة حلوة؟. ضع الزبيب في فمك وتناوله ببطء، لاحظ الطعم الحلو والحامض الذي تنشره قطعة الزبيب، وركز على الطريقة الذي تنتشر به نكهته في جميع أنحاء فمك، حاول تحديد الملمس والنسيج الذي يمتلكه الزبيب أثناء مضغه.
ج* تمشى خارج منزلك: حتى ولو كانت التمشية لفترة قصيرة أو حول الحي فقط. قم بالتمشي في الأرجاء والانتباه على الأمور من حولك، انتبه للأشجار وتصاميم المنازل والرائحة المنتشرة في الطرق، قم بتحديد مهمة قبل البدء بالتمشي تدفعك على التركيز على حاضرك؛ كأن تعد جميع السيارات البيضاء التي ستمر بها أثناء تمشيك، أو البحث عن أشجار الزيتون أو النخيل المتواجدة في الطريق.
هذه الأمور تعد من الأفكار البسيطة التي تدفعك على ممارسة اليقظة والعيش بالحاضر، وسترى أثرها على المدى الطويل في زيادة قدرتك على التركيز على الحاضر، لكني أود تنبيهك بأن اليقظة عضلة كبقية العضلات؛ ستحتاج إلى وقت وممارسة بشكل منتظم ولفترات طويلة لكي تعمل بطريقة تغير من جودة حياتك وتفكيرك.
4) جَدول وقتًا محددًا للتفكير: فالتفكير في الأمور التي تقلقك ليس أمرًا سيئًا حقًا؛ لكنه سيؤذيك إذا لم يكن لفترة محددة لا يقوم بتجاوزها. حدد لنفسك فترة زمنية تناسبك كَـ 20 – 30 دقيقة يوميًا مخصصة لتفكير بالأمور التي تجد نفسك تتجاوز حد التفكير المحمود فيها. في بقية اليوم لا تسمح لنفسك بالتفكير بها، وتقوم بذلك عن طريق كتابة هذه الأمور على ورقة مخصصة بالأمور التي تود التفكير بها بذلك اليوم، ثم قم فورًا بالرجوع إلى قيامك بعملك أو ابدأ نشاطًا يتطلب منك مجهودًا ذهنيًا كالدراسة أو القراءة، أو بدنيًا كممارسة الرياضة.
لكي لا يتوقف الأمر على مجموعة من الأوقات المحددة يوميًا للعيش والتفكير بما يقلقك، والحصول حقًا على فائدة حل المشكلات واتخاذ القرارات بشأن تلك الأمور؛ قم بتحديد فترة محددة (كَساعة مثلًا) في يوم واحد من الأسبوع مخصصة لتفكير بالخطوات التي تستطيع أخذها اتجاه هذه المشكلة.
5) ابدأ بالتحرك: لاحظت من تجربي الشخصية أن أغلب الأمور التي أفرط بالتفكير فيها هي أمور أكرر التفكير فيها دون البدء في العمل فيها أو أشعر بالخوف اتجاهها. إذ كنت أيضًا تمر بمثل هذه المواقف الحل الأفضل هو البدء في التحرك؛ فإذا كنت تشعر بالخوف اتجاه أحد المشاريع ولا تمتلك أي فكرة عن كيفية القيام به، ادفع نفسك على التحرك من وضعيتك الحالية للبدء في البحث في هذا المشروع أو البدء في العمل فيه.
إذا كنت مثلًا تفكر بشكل مفرط بأن مديرك سيطردك قريبًا لأنك تتأخر كل يوم عن العمل، اترك التفكير وقم بتجهيز الأمور التي تأخذ منك وقتًا طويلًا في الصباح وبإمكانك تجهيزها من الليلة السابقة؛ كأن تقوم بتحديد الملابس التي تريد لبسها في الغد والقيام بِكي المجعدة منها، أو بأن تجهز حقيبتك بوضع الحاسوب المتنقل (laptop) وما يرافقه من شواحن ومرفقات فيها.
المصادر: