الجواب عليه باختصار: أن كلامه هذا دعوى بحاجة إلى دليل وبرهان وبدون ذلك يبقى مجرد كلام على عواهنه لا دليل عليه، لأنه بإمكان من شاء أن يقول ما شاء!
فمثل هذه الشبهة ناتجة من أمرين اثنين:
1. جهل بأصل هذه العبادة والشعيرة وتاريخها.
2. وجهل بمعنى هذه العبادة عند المسلمين.
طبعاً إضافة إلى سوء النية وإرادة الطعن في الإسلام عند قائل مثل هذه الشبهة.
أما جهله بأصل هذه العبادة: فقائل هذه الشبهة قد يعتقد أن أصل الطواف بالكعبة كان من المشركين بالجاهلية، وأن الكعبة وجدت وحولها الأصنام، وأن العرب كانت تطوف بها كما تطوف بأصنامها التي وضعتها حول الكعبة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما منعهم من الطواف حول الأصنام وهي حجارة لا تضر ولا تنفع ولكنه أبقى على طوافهم بالكعبة وهي حجارة أيضاً!
والجواب: أن هذا الاعتقاد والتصور باطل جملة وتفصيلاً، فالكعبة كانت طاهرة من الأصنام وكان الطواف حولها هي عبادة الموحدين التي وصلت العرب لما أقام إسماعيل بينهم، وبقيت كذلك حتى دخل الشرك على العرب فأدخلوا الأصنام على الكعبة، حتى طهرها رسول الله من رجس الأصنام وعادت كعبة الموحدين كما كانت في أصل بنائها .
فالذي بنى الكعبة هو نفسه هادم الأصنام وكاسرها إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، فهل يعقل أن يكسر أصنام أبيه وقومه ويخاطر بنفسه حتى يلقى في النار صبراً على إعلان التوحيد لله تعالى، ثم يعود هو إلى عبادة الحجارة عند الكعبة!
ثم أين يكون بناؤه للكعبة لأداء هذا الطقس الوثني بزعمكم؟! في صحراء مكة القاحلة الجرداء التي ليس فيها بشر ولا دواب؟!
مثل هذا الكلام لا يقوله عاقل يحترم عقله ويعرف ما يصدر عنه.
بل الكعبة إنما هي بيت نسب لله تعظيماً، حيث إن الله خالق هذه الأرض شرف وبارك في هذه البقعة من أرضه، وأمر نبيه إبراهيم أن يبني فيها بيتاً وكعبة يقصدها الناس استجابة لنداء الله تعالى وليس لأي أحد آخر، يظهرون هناك خضوعهم لربهم والتزامهم بأوامرهم عندها.
أما الجهل بمعنى هذه العبادة: فقائل هذه الشبهة يعتقد أن المسلمين يقدسون حجارة الكعبة نفسها لذاتها ويخضعون لها ويعبدونها ويرجون منها نفعاً أو ضراً، وكل هذا باطل!
بل لو اعتقد معتقد في الكعبة مثل هذا الاعتقاد فإنا نعده مشركاً مع الله آلهة أخرى.
فالكعبة وبناؤها كلها أحجار لا تنفع ولا تضر بذاتها ولكن الله تعالى خصها أن جعلها حجارة بيته وكعبته في الأرض فصارت لها خصوصية من هذه الجهة فقط، ومع هذه الخصوصية فإنا لا نرجو منها أي شيء ولا نتوجه إليها بأي شيء ولا نخضع لها ولا نطلب منها، بل نحن نطلب عندها من خالقها وموجدها لأنه اختص هذا الموضع بأحكام أخبرنا بها رسوله ولولا هذا الخبر ما كنا لنفعل ما نفعل حول الكعبة.
فنحن نطلب من الله في بيت الله، ونطوف ببيت الله لندعو الله، ونسعى بين الصفا والمروة استجابة لأمر الله، وكل ذلك استجابة لنداء الله وخضوعاً لحكمه.
وكلامنا وذكرنا أثناء كل هذه الشعائر كله ذكر الله تعالى وثناء عليه ورجاء إليه، بل شعار الحج هو (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)
فأين هي الوثنية في كل هذا!!
ففرق كبير بل لا مقارنة بين تقديس الوثنيين لأحجارهم ورجائهم منها وخضوعهم لها كما يرجون من بوذا وسائر الأصنام، وبين طواف المسلمين بالكعبة.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قبل الحجر الأسود ثم قال: "وَاللَّهِ، إنِّي لأُقَبِّلُكَ، وإنِّي أَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ، وَأنَّكَ لا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قَبَّلَكَ ما قَبَّلْتُكَ" (رواه مسلم).