لطالما كانت الفنون سببًا رئيسيًا في ازدهار الدول ونشأتها بالإضافة للعلوم الإنسانية الأخرى (مثل السياسة، والأدب، والفلسفة)، وكما أنها تقود الدول لإنشاء حضارات ومجتمعات تنفرد بها وتُميّزها عن الآخرين، وبالطبع كلما ازدهرت الفنون في الدولة تزيد من قوتها ووجودها، والعكس صحيح.
الدولة هي العامل الأساسي في ازدهار الفنون أو هبوطها؛ الدول القوية التي تدعم الفنان في بلدها، وتسانده في مسيرته وإبداعه وتفخر به، وتعمل على نشر الفنون حول العالم، وينعكس عليها ذلك بشكل إيجابي فيما يتعلّق بالإنفتاح والتبادُل الثقافي مع المجتمعات الأخرى، وكما يُساهم في منحها بصمة خاصة بها ورفع قيمة مجتمعها بين المجتمعات الأخرى، وبالتالي يبقى الفنان مُتفائلًا وفي سعيٍ دائم حتى يُقدّم الأفضل لمجتمعه ودولته، ويعمل ذلك على تحفيز أفراد المجتمع لإظهار مواهبهم وفنونهم وتطويرها.
بينما الدول التي تُحارب الفنون لادعائها أنّه يخالف الدين، وأنّه مجرد لهو وعبث يعمل على تدمير قيم المجتمع والحط من قيمته، تُحبط الفنان في مجتمعها، ويُصبح مهزومًا لا رغبًة لديه في التطوّر أو تقديم شيء جديد لبلده، وذلك يعمل على خلق مجتمع مغلق وينتشر بها الجهل والتخلّف، وتكون دولة ضعيفة.
لو أخذنا على سبيل المثال تركيا، من أكثر الدول التي دعمت فن التمثيل وصناعة المحتوى في مجتمعها، حتى أصبحت أعمالها مشهورة على مستوى عالمي، وكان الجميع ينبهر في جمال الطبيعة الخلّابة التي تُعرض في أعمالها، وفن التصميم المعماري في مبانيها ومعالمها؛ مما حفّز السياحة بها، وانتشرت ثقافتها بين شعوب المجتمعات الأخرى، وأصبحت من الدول المتقدمة، ومثلها كوريا وألمانيا؛ في سعيٍ دائم لدعم الفن والفنانين في بلادهم.
مصر لطالما دعمت الفنون المختلفة؛ من غناء، وموسيقى، ورقص، وكتابة بين أفراد مجتمعها، وهو ما جعلها من أكثر الدول غناءً وتنوعًا في حضارتها وثقافتها، ويُعتبر شعبها من أكثر الشعوب انفتاحًا على الثقافات الأخرى، وذلك الأمر ينطبق أيضًا على اليونان (الإغريق)؛ منذ الأزل وهي تدعم فنون النحت والبناء المعماري مما جعلها مثالًا يُتحذى به، وسابقًا اشتهرت الأندلس في شُعرائِها والمغنيين لشدّة ما كانت تقدّم لهم الدعم وتساعدهم على الإزدهار.
ولو نظرنا لدول مثل أفريقيا، وإيران، والسودان، وبنغلاديش، سوف نرى أنّها لا تدعم أي شكل من أشكال الفنون، ونكاد لا نرى فنانًا واحدًا خرج من هذه الدول دون الحصول على الدعم من أماكن أخرى.
الفنون بمختلف أنواعها: الرسم، والموسيقى، والنحت، والمؤلفات الأدبية، والغناء، والزخرفة، والموسيقى، والرقص، وغيرها الكثير، تُساهم في بناء المجتمع، وزرع الأفكار المختلفة في عقل الإنسان، وكما أنّها تعمل على ازدهار الدول لو كانت فنون قادرة على تخطّي القيم الجماليّة والبصريّة، وبناء القيم الثقافية، والأخلاق، والفضيلة التي تُشكّل الدولة، وحتى أنّ الفيلسوف الألماني "هيغل" اعتبر الفن المصدر الثالث لفهم الحضارات الإنسانية بعد الدين والفلسفة.