تعلمنا منذ الصغر أن لا نرد، وأن نبلع الإهانات، وأن نتغافل عن الاستفزاز الذي يأتي من الأشخاص الذين نعرفهم، وأن هذا ضرب من ضروب الأدب، إلا أنني اليوم سأخبركم كيف دربت دماغي لأن يكون في حالة انتباه لأي كلام سخيف من أحدهم، أو اذا سمعت أحد الأشخاص يستفزني بكلامه.
في الحقيقة نحن في معظم الأحيان يكون لدينا رد، ونفكر به، ولكن في وقت متأخر، بعد أن يكون الموقف قد انتهى والوضع قد هدأ، فالخدعة هي في أننا بعد أن نهدأ، نبدأ في التفكير في الأحداث وفي الكلام الذي سمعناه، و يخطر ببالنا الرد بعد فوات الأوان.
لذلك السر يكمن في أن نتعلم كيف نهدئ نفسنا وندرب دماغنا على أن نكون - في اللحظة التي سمعنا فيها الكلام السخيف أو المستفز- هادئون من الداخل، و مهيأون ذهنيا، بحيث أول ما يبدأ الشخص باستفزازنا، أن نكون في حالة تسمح لنا بالرد على الإساءة ردا مناسبا و في اللحظة المناسبة.
أول أمر يمكنه أن يساعدك ليكون دماغك هادئا ومستعد دائما وفي حالة صحية جيدة، هي أن تمتلك الثقة بالنفس، وأن تكون صورتك الذاتية عن نفسك جيدة، وعدم الاكتراث لرأي أو كلام الآخرين، والاكتفاء بالنفس والذات، لأن الثقة بالنفس تعزز الثبات الانفعالي تلقائيا، وهو ما نحتاجه تماما في لحظات كهذه. ففي موقف حصل معي أنا شخصيا، واعتبر نفسي أنني أجبت برد ذكي، هو أنني كنت في إحدى الدول الأوروبية في البنك، وشعرت بأن بيني و بين موظفة البنك كيمياء سلبية، كانت تنظر إلي بطريقة غير جيدة، قد يكون ذلك بسبب ملامحي وشكلي المختلف عنهم، وأحسست بأنها لن تتعاون معي كعميلة، وكنت متأهبة وجاهزة بسبب شعوري الفطري بأنني سأسمع كلاما لا يعجبني، وفعلا هذا ما حدث.
أشارت إلي بأصبعها و كأنها تحقرني، وقالت لي، "لا أصدق ، هذه أول مرة أقابل فيها امرأة عربية، كيف تأتين بكل وقاحة الى البنك، أنتم همجيين" ، كان بإمكاني أن أبكي في تلك اللحظة، أو أن أنهار، أو أن أرد عليها بطريقة غير مؤدبة، أو أن أصرخ في وجهها بأنني عميلة وعليها أن تحترمني، إلا أي من الأمور التي ذكرتها، لو فعلتها او قلتها، كانت ستسبب تصعيدا كنت أنا في غنى عنه، وكانت ستفرح حينئذ بأنها استفزتني.
ما قمت به هو أنني نظرت إليها، وقلت لها باللغة الإنجليزية و بهدوء :" حسنا، لا بد أن تشكريني، لأني كنت سببا في أن تقابلي امرأة عربية في البنك الذي تعملين به، ويبدو أنه أمر لا يتكرر كثيرا"، وابتسمت وأتممت معاملاتي البنكية، و غادرت. بكلمات أخرى، قمت باستغلال كلامها في ذلك الموقف، وقلبته عليها. إن الثبات الانفعالي يساعدك على الرد في ذات اللحظة، فترد وينتهي الموقف وأن تشعر بالفخر.
في
أحد المواقف التاريخية في حياة نيلسون مانديلا، حين كان طالبا يدرس في كلية الحقوق، متواجدا في الكافيتيريا في الكلية، وكان البروفيسور الذي يدرسه واسمه بيتر قد تناول صينية طعامه وتوجه للجلوس، و إذ به يجلس بجانب مانديلا، وكان البروفيسور يكره مانديلا، (بسبب التفرقة العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء)، فوجه له كلاما جارحا.
قال البروفيسور لمانديلا :" لا يجوز للخنازير والطيور أن يجتمعوا على مائدة واحدة"
أجاب مانديلا بهدوء:" لا تقلق يا سيدي ، لا بد أن أحلق بعيدا عنك"
وأخذ نيلسون طعامه وغادر الطاولة، وكأنه قال للبروفيسور، أنت الخنزير وأنا الطير.
هذا الموقف أثبت أن الثقة بالنفس والثبات الانفعالي والتأكد من أن لا أحد يستطيع خدشك هي التي ولدت الرد الذكي في الموقف