"الرسام الجيد لديه أمران أساسيان يرسمهما: الرجل وروحه، الأول رسمه سهل ولكن الثاني صعب لأن الروح عليك أن تعبر عنها من خلال الإيماءات وحركة الأطراف".
بتلك الكلمات عبر الفنان ليوناردو دافنشي عن مفهومه للرسم، وان الفن و الروح وجهان لعملة واحدة، لكي تأسس لوحتك يجب عليك ان تعبر عنها بواسطة روحك، و تقتبسها من عالمك الداخلي لتكسر السكون المحيط بها، و تجعلها تتكلم بلغة تتجسد من خلال الحركة و الإيماءات لتترك عند المتلقي إحساس بروحنية اللوحة و واقعيتها.
على غرار قادة عصر النهضة الآخرين، لم يعتبر دافنشي الفن والعلم مجالين منفصلين، فقد آمن بأن دراسته للعلوم جعلت منه فناناً أفضل، كما اعتقد بأن البصر هو أهم حواس الإنسان والعين أهم أعضاء الجسم، وشدد على أهمية
"saper vedere" أو "معرفة كيف نرى" وضرورة مراكمة المعلومات والمعرفة من خلال الملاحظة الدقيقة.
كانت عبقرية دافنشي و تألقه في رسم لوحاته الأسطورية ترجع لكونه رسامًا ونحاتاً وعالماً إيطالياً مشهوراً خلال فترة عصر النهضة، ومن أشهر اللوحات الفنية التي رسمها هي
“Last Supper” و”Mona Lisa”، بحيث انه كان ينظر للأشياء التي يجسدها بالوحاته من خلال عين فنان و عقل مخترع وعالم يهتم بالتفاصيل لأبعد مدى ممكن، مما جعله يبتكر لوحات فنية سابقة لعصره، و قطعاً فنيةً فريدة حازت على اهتمام العالم عبر العصور.
ولعل أحد أسباب تألقه هو إستخدامه لاساليب مبتكرة لم توجد من قبل في عصره او العصور اللاحقة، اذ كان يمتاز بقدرته على الابتكار و الإبداع واختراع أساليب وتقنيات مبتكرة، ما زالت تدرس في عصرنا الحالي.
استخدم دافينشي أسلوباً حديثاً في الفن لم يستطع أحد تقليده يدعى (sfumato) الخداع البصري.
في العصور القديمة مفهوم تعديل الصور موجود والخدع البصرية التي كانت تعطي اللوحة نوع من الحركة و الإيماءات، بحيث قام دافنشي بتطوير هذا المفهوم وكانت ابرز لوحاته التي استخدم فيها اسلوب الخداع البصري هي الموناليزا وقدرته على تجسيد ابتسامتها الغامضة، الخدعة البصرية ناتجة عن الرؤية الجانبية، حيث ينتقل تركيز المشاهد من العينين إلى شفاه البورتريه، بحيث انه عندما تنظر الى عينيها فأنك تراها تبتسم و عند ازاحة نظرك عن عيونها وتركز على شفتيها تختفي الإبتسامة، من خلال هذا الاسلوب المبتكر إستطاع ان يترك احد الالغاز المهمة التي لم يكتشف سرها الا في عصرنا الحالي.
برأيي ان الواقعية ليست تقليد الواقع ولكنها استعانة بمفردات الواقع لخلق واقع تمثيلي أكثر تعبيرية، ودافنشي و لوحاته كانو ابسط مثال على ذلك بحيث انهم يعبرون عن تحويل مفردات الواقع الى لوحة تعبيرية تلامس روح المشاهد وتأخذه الى عالم آخر، مما يجعله يشعر ان اللوحة تنطق و تنظر اليه وتلاحقه كالوحة الموناليزا، ولعل هذا المستوى من تجسيد ورسم اللوحات هو من أعلى المستويات التي من الممكن أن يصل إليه الفنان، ودافنشي إستطاع بكل جدارة أن يكون المثل الأعلى لأغلب فنانين عصره و العصور اللاحقة.