هذا السؤال يذكرني بذلك النقاش الأزلي القديم، ما العامل الأهم في تشكل الفرد؟ جيناته؟ أم الظروف البيئية والاجتماعية. في الحقيقة كلا العاملين يمارسان دوراً أساسياً في تشكل سلوكياتنا، وكلا العاملين يؤثران على بعضهما البعض بطريقة تبادلية ديناميكية.
لكي أجيب على سؤالك علي أن أشير إلى معادلة رياضية هامة يستخدمها العلماء في تحديد مدى تأثير الجينات على سلوك الإنسان في بيئة ما، يعرف هذا المصطلح باسم "التقدير الوراثي" (heritability estimate). فكر في دائرة أصدقائك، ففي دائرة الأصدقاء تتنوع فصائل الدم بين المجموعة، اختلاف فصائل الدم يرجع سببه إلى الجينات، وهذا سيعكسه مبدأ التقدير التوريثي. يتراوح نطاق التقدير الوراثي بين العددين 0-1, عندما يكون التقدير الوراثي أقرب للعدد 1 فإن تأثير الجينات في سلوك الإنسان سيكون أكبر وإذا كان أقرب للصفر سيكون تأثير البيئة على سلوك الإنسان أكبر من تأثير الجينات.
لكي يدرس العلماء هذا المبدأ فهم يقومون بالاطلاع على توأم متماثل تم فصلهما عن بعضهما منذ الولادة. لنأخذ مثلاً كمثال بسيط أحمد ومحمد، أحمد ومحمد عبارة عن توأم متماثل تم فصلهما عن بعضهما منذ الولادة. أحمد يعيش في بيئة يندر توافر الأكل الصحي بها، والعديد من جيران أحمد يعانون من سوء التغذية، فبالتالي سيكون المستوى الرياضي للمنطقة ولأحمد سيكون قليلاً، وسينقلون هذه الصفة إلى أجيالهم القادمة بواسطة الوراثة. هنا بيئة أحمد الفقيرة أثرت على مستوى أفراده للعب الرياضة وسينتجون أفراداً لا يملكون الجينات التي تمكنهم من أن يكونوا صحيين رياضياً، فتقديره الوراثي أقرب للصفر.
بينما محمد عاش في بيئة صحية من حيث الغذاء, وبسبب الإشباع التي تعيشه منطقة محمد تحضر ممارسة الرياضة في بيئاتهم، فبالتالي تقديرهم الوراثي سيكون أقرب للدرجة واحد، لأنهم بإمكانهم أن ينقلوا جيناتهم الصحية هذه إلى أفرادهم، وهكذا.
أريد أن أنوه أيضاً أن تفاعل جيناتك مع البيئة مهم بشكل كبير خصوصاً في أول مراحل تطورك كطفل, فمثلاً تعرض الطفل أثناء الحمل في أول مراحل نموه إلى السموم المختلفة قد يكون له تأثير كبير على حياته الصحية على حياته على المدى البعيد, وأثبتت عدة دراسات بأن الأطفال الذين تربوا في بيئات غير صحية هم أكثر عرضة للأمراض النفسية.