لا اعتقد ان هناك فلما انجح في تصوير الغرابة البشرية اكثر من فلم Climax ( الذروة ) من انتاج سنة 2018 للمخرج الارجنتيني Gaspar Noe. في الواقع فان القصة مقتبسة عن حادثة وقعت فعليا سنة 1996 لمجموعة من طلاب الرقص يجتمعون في مدرسة فارغة للتمرين وقضاء الليلة فيها.حيث يبدأون بالرقص مع وجود مأكولات ومشروب السانجريا الكحولي, بطبيعة الحال فالكل يرقصون ويأكلون ويشربون ويتحدثون, ولكن فجأة تأخذ الامور منحى مخيفا جدا حيث يكتشفون ان احدا ما قد خدر المشروب بمخدر LSD وهو عقار للهلوسة قد يؤدي بالشخص الى سماع ورؤية اشياء غير موجودة, ويرفع من ضغط الدم وحرارة الجسد ويزيد من وعي الشخص بما حوله بطريقة غير اعتيادية أبدا.
يبدأ الشباب بالتأثر شيئا فشيئا بالمشروب المخدر وتبدأ بطلة الفلم بالانتباه الى ان شيئا ما غير طبيعي. فينفصل بعضهم عن الواقع تماما و منهم من يضحك ومنهم من يبكي هستيريا. يدرك الجميع ان احدا منهم قد دس السم في العسل. ويحاولون توجيه اصابع الاتهام الى اقلهم اثارة للاعجاب او اكثرهم اختلافا عنهم. فيتم اتهام المسلم منهم واليهودي والمرأة الحامل.
يبدأ الفلم اولا بسؤال كل شخصية عن اهتمامهم بالرقص, وماذا يرون من انفسهم في المستقبل وما حلمهم. فهنا يرسم لنا المخرج حياة الشخصيات من سؤالين او ثلاثة
ما اثارني هنا جدا ان كل شخصية في الفلم تبدأ بالظهور على حقيقتها بعد اخذ عقار الهلوسة. منهم من يقتل ومنهم من يغتصب ومنهم من يبكي ومنهم من يبحث عن اهتمام الاخرين, لم تنوبني الصدمة ابدا من نتائج هذه المصيبة فهناك اثباتات على مر العصور على شرانية الانسان وقدرته على ارتكاب افظع الافعال ان واتته الفرصة. الفرصة في هذا الفلم كانت لا ارادية منهم, مع هذا فقد حولوا المكان الى مسرح للجريمة, بامكان اي شخص ان يفعل المثل بوعيه. ومن الجدير بالذكر ان الفلم لا يصور لنا الهلوسات بحد ذاتها بل فزعهم ولا عقلانيتهم واجرامهم ان حسن التعبير. بطلة الفلم كانت تمثل دور الام في نظري, الاكثر وعيا والاكثر حزنا عليهم. مع انها تأثرت ايضا بالمشروب المخدر الى انها حاولت مرارا ان تكشف المجرم.
الفلم أشبه بكابوس لا يمكنك الاستيقاظ منه, مشاهد مرعبة نفسيا وعظيمة جدا في نفس الوقت فقد تم ايضا تمثيل هذه الهستيريا من خلال الرقص الهستيري التي قامت به بطلة الفلم والمعبر جدا عن خوفها من نفسها ومن الاخرين ومن ماضيها وحاضرها. محاولتها بالخروج من جلدها ورعبها الصارخ عند رؤية وجهها في المرآة.
أيا كان من خدر المشروب قد فعل ذلك من اجل المتعة فقط, طبعا يستمر اللغز الى اخر لقطة حيث يتم الكشف عن الفاعل ودوافعه القمة في السخف, ولكن بالطبع فهذه هي طبيعة البشر!. ليس غريبا ابدا على البشر ان يرتكبوا جرائم قد تودي بحياة عشرات الاشخاص فقط من اجل المتعة وتغيير الاجواء السائدة. واعني هنا فعلا المتعة الصرفة, لا شيء آخر. الجريمة بدافع المتعة. وهي مثبتة في علم الجريمة بالمناسبة.
الفلم يتحدث عن قدرتنا الكامنة على الاجرام, عن الهلوسة, عن الرقص, عن الجنون والهذيان, الولادة والموت وما بينهما من جحيم.
في اللينك مقابلة مكتوبة مع المخرج وما في جعبته من اجابات حول الفلم
Interview With Gaspar Noé For Climax | Wonderland Magazineانصح بمشاهدته بقوة فهو من افلامي المفضلة, الذي يثير دهشتي في كل مرة اشاهده فيها كأنها اول مرة.