لنقل أنني وجدت مصباحًا سحريًّا، فهل من الذكاء أن أفكر ما الذي عليَّ القيام تجاهه، أو من الحكمة أن انفض غباره ليخرج المارد الذي ربما سيلبي طلباتي، أو سيغضب مني للقيام بإيقاظه من نومه العميق؟. أعتقد أن إجابة هذا السؤال ليست بالسهلة، ولو خيروني ما بين الذكاء والحكمة لاخترت كليهما. نعم! أنا طماعة، ويعجبني أن أنال من الحب جانبين لا جانب واحد.
أتوقع أن أحدد مفهوم كل من الذكاء والحكمة، والفرق بين كليهما، لأترك الدفة فيما بعد لتختار اتجاه قاربك، أو تقف مثلي بين الجانبين، لتعِبَّ من الجانبين متى استطعت.
"أي أحمق يمكنه أن يعرف. الهدف هو أن نفهم ". ألبرت أينشتاين
قد يقوم البعض بإطلاق مفهومي الحكمة والذكاء بالتبادل مع بعضهما البعض في الحياة العملية. لكن يوجد بينهما بعض الفروق، والتي نتجت من التقدير المجتمعي للكفاءة والنتائج المتحصلة. لذا قد يبدو الذكاء هو الأفضل للوصول للنجاح. لكن قد تكون الحياة منصفةً أيضًا لمن يمتلك الحمة، حيث يحققون السعادة الحقّة بسبب القيم التي يتخذونها لفعل ما هو صحيح.
يقول سقراط: "الحكمة الحقيقية الوحيدة هي معرفة أنك لا تعرف شيئًا. " فأن تكون كيمًا تعني أن تكون قادرًا على القيام بالتصرف المنطقي المعقول. لكن، برأيك، أليس من يمتلك الذكاء أيضَا بقادر على التصرف المنطقي من خلال ذكائه في حياته العملية؟ ألا يمكن للذكاء أن يرشدك لتكون على الطريق القويم من خلال اتخاذ قرارات واعية وفي موضعها الصحيح؟
بالطبع يمكن أن يكون هذا هو الوضع، لكنك الآن تنظر إلى الذكاء المنطقي، وتتجاهل باقي أنواع الذكاءات المتعددة، والتي ليست بالضرورة ترشدك للقرارات الصائبة دومًا. حيث يمكن لبعض الذكاءات أن تؤثر على شخصية الفرد، فالذكاء الاجتماعي يميل لتغليب رفاهية الآخرين على النفس، وليس بالضرورة أن يكون ذلك جيدًا في كل الأحوال. ومن الجيد أن يمتلك الشخص ذكاءً مرتفعًا مع أن تكون حكيمًا استثنائيًّا وتتوجه نحو قيم واضحة قد تندمج أو تتجاوز التفكير العاطفي الوجداني والإدراكي.
في العقود الماضية، ارتبطت الحكمة بالفلسفة والروحانيات، وبالرهبان البوذيين أو الفلاسفة اليونانيين. لكن مع دراسة لعلماء النفس لهذين المفهومين وجدوا ما يلي:
1. لا ترتبط الحكمة بالتجارب الشخصية دومًا:
شاعت الأسطورة القائلة أن الحكمة دومًا تأتي من تجاربك الشخصية الحياتية، لكن واقعيًا هناك الكثير من الأشخاص الحكماء، ممن لم يعيشوا حياةً طويلة، لكن كانوا من مجتمع الحكماء. ومنهم مثلًا الشاعر أبو القاسم الشابي الذي توفي صغيرًا، وامتلأ شعره بالحكمة والموعظة، فهو من سطر من الشعر الخالد:
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر
إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
"أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر
هذه الأبيات كانت لشابَ لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، فلا يوجد ارتباط مباشر ما بين طول الحياة ومدى الحكمة. فالعمليات الاجتماعية والعاطفية والمعرفية هي التي تحول التجربة الشخصية إلى حكمة مميزة. كما وجد العديد من الباحثين في مجالات علم النفس وعلم الاجتماع أن هناك العديد من العمليات والمتغيرات الوسيطة بين كل من الذكاء والحكمة مثل قدرة الشخص على التفكير في تصرفاته هي من حملت الناس على الربط ما بين العمر والحكمة لا العمليات والحكمة. فالخبرة لا تمنح الحكمة دائمًا.
يقول كونفوشيوس: "بثلاث طرق نتعلم الحكمة: أولاً، بالتأمل، وهو أشرف؛ ثانيًا: التقليد، وهو أسهل؛ والثالث من خلال التجربة، وهو الأكثر مرارة ".
2. قد يجعلك الذكاء أكثر كفاءة:
للأشخاص الأذكياء معايير عالية تجعلهم أكثر كفاءة، حيث دومًا يحاولون التفوق دومًا حتى على معاييرهم الخاصة، ويصابون بالإحباط عندما لا يلبون توقعاتهم. كما أن مهاراتهم في توجيه أنفسهم للهدف والوصول إلى النتائج المتوقعة والملموسة هي من أولوياتهم.
هذه الأفكار والقرارات التي يتخذونها تجعلهم متوترين قلقين، ولا يتحملون الشك وعدم اليقين، لذلك يتحمسون أكثر ويبقون من دائرة التفوق للحصول على ما يبتغون. وهذا ما يميزهم عمن يمتلكون الحكمة، فالحكماء لديهم القدرة على تقبل ما هو غير متوقع وغير مخطط له. ولديهم القابلية للتراجع في الوقت المناسب، وينظرون للأمور بصبر ويقين وبنظرة ثاقبة للواقع.
3. يتخذ الحكماء قرارات أفضل:
وليس بالضرورة أن يكون هذا صحيحًا، حيث يعتمد ذلك على طبيعة الشخصية ونمطها والاختلافات الفردية الكبيرة. فمن الممكن جدًا وجود أشخاص أذكياء قادرون على اتخاذ القرارات المعقولة والمسؤولة، لكن قد يوجد أيضًا أشخاص أذكياء ينجرّون وراء الأرقام والإحصاءات والأهداف، لكنهم يفشلون بعدها في اتخاذ القرار الصحيح بسبب عدم أخذه الاعتبارات الخرى في الحسبان.
ومع ذلك يختلف الأشخاص ذوي الذكاء المرتفع عن ذوي الحكمة المتعمقة، حيث يكون الحكماء أكثر انفتاحًا وتقبلًا لما في الواقع، وتقبل تقلبات الحياة المختلفة، والتفكير من منظور أكثر عمقًا. لذا يتمكنون من تقدير المواقف وكيفية تطورها عبر الزمن، ومن هنا يتمكنون من الحفاظ على التوازن المطلوب.
4. يمكن استخدام الذكاء للخير أو الشر:
هذا الأمر صحيح جدًا! فكم من مخترعات عبقرية أدت لدمار البشرية، وكم منها استطاع تطوير وتسهيل الحياة على الكائنات عامة. فيمكن للذكاء أن تكون غاياته نبيلة أو خبيثة، فيمكنك التخطيط لأهداف معقدة قد تنتهي بتحقيق ما هو ضار؛ كما فعل ألبرت نوبل بصناعة الديناميت، لكنه كان من الحكمة بحيث خصص فيما بعد ثروته لمكافأة الاكتشافات والمخترعات العلمية النبيلة. كما أن القنبلة الهيدروجينية كانت اكتشاف ذكي لكنه استخدم للتآمر على اليابان وتدميرها. كما يمكن استخدام الذكاء للتلاعب والخيانة والتآمر. وعلى الجانب الآخر ترتبط الحكمة بضرورة الإصلاح، وترتبط بالإنسانية والشعور بالمشاعر النبيلة الخيِّرة، مع الشعور بالروحانية والإلهام تجاه الآخرين للاندماج في الأعمال الصالحة. بعد كل شيء، الحكمة هي فن معرفة ما يهم حقًا واتخاذ قرارات جيدة لتحسين رفاهيتنا، والأهم من ذلك، رفاهية الآخرين. هناك يكمن المفتاح الحقيقي.
5. الحكمة إيجابية:
من الجيد أن الحكمة تمنح نظرة أكثر إيجابية نحو الحياة، والنفس والآخرين. ترتبط الحكمة بالحزم والأمل واللطف، مما يجعلك أكثر حماسة وطاقة ودافعية للتقدم مهما واجه الشخص من صعاب ومشاق. فهم يعتقدون بالقول أن كل شيء يحدث لسبب ما، وسيمضي كما هو مقدر له بعد اتخاذ ما يمكنهم اتخاذه من عوامل وعمليات وأسباب.
وبالرغم من الفروقات السابقة، إلا أنني أعتقد أن المفتاح ما بين الذكاء والحكمة هو التوازن. لكن يجب أن تكون لديك القدرة على إدارة كل منها وكيفية استخدامهما بالتوازي. يعتقد الخبراء وعلم النفس أن الحكمة هي ذكاء مقرون بالذكاء العاطفي. أي علينا أن نمتلك كلا المفهومين. تدريب القدرات المعرفية، وتحسين الذكاء العاطفي، ودمج كل تجربة لتشكيل منظور أكثر عقلانية واسترخاءً وتفاؤل.
المصادر: