سيدنا موسى عليه السلام كليم الله اختاره الله للنبوة واصطفاه بكثرة تكليمه له مباشرة ، حيث كان وحيه له دون واسطة ملك وإنما كلاماً مباشراً مع الله سبحانه ، وإن كان يوحى إليه عن طريق الملك أيضاً أحياناً ، ولكن لإن بداية الوحي له كانت بكلام الله له مباشرة وندائه عليه ثم اختصاصه بكلام الله له مرات أخرى ، لقب بكليم الله .
أما أين كلم الله موسى عليه السلام ؟ فالجواب : أن المعلوم هو كلام الله له في مكانين :
1. على الجانب الأيمن من الوادي الذي قرب جبل الطور في سيناء الموجودة بمصر ، وهذا المكان وقع فيه أول كلام بين الله سبحانه وبين موسى ، لما كان في رحلة العودة من مدين ومعه زوجته في ليلة مظلمة باردة ، فرأى ناراً عند شجرة في جانب هذا الوادي ، فذهب ليحضر جذوة من النار يتدفؤون عليها ويستطلع خبراً لهم من هذه النار ، فناداه الله عند هذه الشجرة وسمع موسى كلام الله بندائه له ( إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس
طوى ) ، ثم أخبره الله أنه اختاره للنبوة ( وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى ) ، ثم دار بينهما بقية الحوار والكلام المذكور في عدة سور في القران .
وهذا كله وقع عند الجانب الأيمن من الوادي الذي قرب جبل الطور سيناء كما قلنا بدلالة آية سورة القصص ( فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) ) .
2. فوق جبل الطور نفسه وليس في الوادي بجانبه ، وذلك بعد نجاة بني إسرائيل وموسى من فرعون ، وغرق فرعون وجنده ، ومسيرة بني إسرائيل في صحراء سيناء باتجاه بيت المقدس ، أعطى الله موسى عليه السلام موعداً أن ليكلمه فيه بعد 30 ليلة ثم أتمها الله عشراً فصارت أربعين ليلة ، وكان الموعد عند جبل الطور في سيناء ، وجاء موسى عليه السلام للموعد وصعد على الجبل ، وكلمه الله مباشرة ، وطلب موسى من الله أن يراه مباشرة ، فلما تجلى الله للجبل جعله دكاً وخر موسى مصعوقاً ، إلى بقية القصة ، وفي هذا الموعد أوحى الله تعالى إلى موسى بالتوراة وأعطاه ألواحاً مكتوباً فيها التوراة .
وهذه القصة هي المذكورة في سورة الأعراف في قوله تعالى " وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ... " ( 143).
وقد كلم الله موسى عند جبل الطور مرة ثانية لما اختار موسى من قومه سبعين رجلاً نواباً عن قومه للتوبة مما صنعه بعضهم من عبادة العجل ، فصعد موسى وصعدوا معه ، ثم طلبوا أن يروا الله جهرة فرجف بهم الجبل وماتوا ثم أحياهم الله ، والقصة مذكورة في سورة الأعراف أيضاً والحوار الذي بين الله وبين موسى في الآيتين ( 155 ، 156).
فهذان المكانان المعروفان لكلام الله مع موسى عليه السلام ، وقد يكون وقع مثل هذا الكلام في أماكن أخرى ليس عندنا علم بها .
والله أعلم