تكمن أهمية وسائل الإعلام من كونها سبب في بناء جزء كبير من مرجعيتك الفكرية والثقافية في حياتنا. فنحن متأثرون بالإعلام جداً في حياتنا. قراراتنا السياسية والشرائية و حتى الحياتية تتأثر في الإعلام.
فكيف يفعل الإعلام ذلك؟ لنفرض مثلاً بأنك تود أن تشتري بعضاً من الأرز من السوبر ماركت, و صدفت عدة علامات تجارية لمختلف أنواع الأرز, ما هو الأرز الذي ستشتريه؟ بالتأكيد ستشتري الأرز ذو العلامة التجارية الأشهر و الأكثر إنتشاراً, لأنه بالنسبة لعقلك هو أكثر الخيارات ضماناً, لن تشتري أرز ذو علامة تجارية غير مشهورة ولا يستهلكه الكثير من الناس, بل ستشعر بالراحة أكثر لو اشتريت الأرز الأكثر طلباً وإستهلاكاً في الأسواق. يؤثر الإعلام بخياراتتنا الشرائية من خلال نشر الدعايات لمختلف العلامات التجارية, فكلما رأينا كأفراد علامة تجارية ما ذو إنتشار واسع, شعرنا بالراحة أكثر إتجاه إستهلاكها.
سأشارك مثالاً حدث معي شخصياً يوضح مدى قوة الإعلام و مدى دخوله في حياتنا, مرة كنت أتحدث مع صديقي على واتساب عن الأحذية العسكرية التي يلبسونها في الجيش كم هي دافية, و أنني أفكر في شراء زوج من هذه الأحذية, كانت هذه المحادثة صوتية, فأتفاجأ بإعلان على فايسبوك لهذا النوع من الأحذية تماماً! تخيل! الإعلام دخل في حياتي لدرجة أنه أصبح يخزن بيانات ويبني خوارزميات بناءاً على محادثاتي مع أصدقائي!
لنأخذ مثالاً آخر في عالم السياسة, هل تعرف كيف فاز ترامب بالإنتخابات الرئاسية؟ في عام 2016 تم الكشف عن فضيحة للرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زكيربيرغ بقيامه ببيع بيانات لأكثر من 87 مليون مستخدم على موقعه من أجل الدعايات السياسية, هذه القضية تسببت في تمثيله أمام المحكمة و فرض عقوبات و غرامات مالية عليه. هذه البيانات تم تحويلها إلى موقع بيانات إسمه "this is your digital life", هذا الموقع يتخصص في بناء ملفات تحليل نفسي للمستخدمين من خلال مراقبة سلوكياتهم على منصات التواصل الإجتماعي المختلفة, و بناءاً على هذه البيانات يتم إنشاء دعايات سياسية وتسويقية من أجل أن يتم التلاعب بوعيك و يجعلوك أن تصوت لأشخاص معينين! هذه ليست نظرية مؤامرة, هذا الأمر حدث فعلاً. إذا كنت تعتقد بأنك شخص حر ومستقل فكرياً فأنت قد تكون مخطئاً بطريقة لا تتوقعها ولا تتصورها.
الإعلام مهم لأنه يقولب وعينا ولأن رساله لنا تؤثر على نوعية الحياة التي سنعيشها وشكلها المستقبلي, علينا أن نسلح أنفسنا بالوعي والتفكير النقدي لكي لا نصبح مجرد أداة بيد الوسائل الإعلامية الكبيرة.
50 مشاهدة
