هل يمكن لطالب علم اجتماع أن يصبح محامياً تأسيساً على علم الاجتماع؟

1 إجابات
profile/أريج-عالية-1
أريج عالية
educational consultant في freelance (٢٠١٨-حالياً)
.
٢٠ مارس ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 في البداية علينا أن نحدد ماهية العلاقة بين علم الاجتماع والقانون ومن ثم المحاماة. في أوروبا اهتم علماء القانون بعلم الاجتماع، وقاموا بتطوير ما يسمى بعلم الاجتماع القانوني، ومن ضمن هؤلاء "إميل دوركايم"، والذي صنّف القانون لأقسام مختلفة بدراسة العلاقة الجدلية بين القوانين، فمثلًا اعتبر القانون الجزائي خاص بالمجتمعات البدائية، بينما القانون الإصلاحي أو الاعتباري هو للمجتمعات الصناعية فقط. تركز اهتمام عالم القانون "ماكس فيبر" على توضيح العلاقة ما بين الاقتصاد والقانون، مما دفعه لتحليل النظم الاجتماعية بشكل علمي، فخصص في كتابه "القانون في الاقتصاد والمجتمع" فصلًا للطبيعة العقلانية للقانون والإدارة. كما تخصص العالم "أهرلج" في علم الاجتماع القانوني وأفرد له كتاب هو "المبادئ الجوهرية لعلم الاجتماع القانوني"، وكذلك "جورج كيرفج" مؤلف كتاب في علم اجتماع القانون المنشور عام 1942م.

اتفق علماء القانون على أن القانون والتشريعات القانونية هي جزء لا يتجزأ من المجتمع، وبينهما علاقة جدلية. وأي تغيير يقع سينعكس على الطرف الآخر. اعتبر القانون وسيلة مهمة للضبط الاجتماعي المجتمعي، ويتعلق بالنظم الأخلاقية والعادات والتقاليد والأعراف المجتمعية. حيث يمكن اعتبار دراسة أنظمة القانون هي دراسة أولية لعلم الاجتماع القانوني وليس العكس. فمجال علم الاجتماع القانوني أوسع بكثير من مجال القانون نفسه، لأنه يشمل دراسة العلاقة مابين الأنظمة الاجتماعية المتنوعة والأنظمة القانونية. ينضوي تحت شعار الأنظمة الاجتماعية  كل من: النظام الاقتصادي، والنظام السياسي، ونظام العائلة والقرابة وغيرها.  تصبح دراسة القانون ونظمه في علم الاجتماع القانوني ضمن سياق اجتماعي من خلال الدراسة التحليليلة للمعايير القانونية، والاتجاه الفلسفي الغائي أو علم الغايات والذي يوضح أن كل ما في الكون من عمليات أو إجراءات يهدف لتحقيق غاية معينة. يقول ستون Stone:" علم الاجتماع القانوني يهتم بالعلاقات بين القانون والوقائع الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية والسيكولوجية الملائمة لدراسة الأساس السوسيولوجي"

لذا يمكننا استنتاج وجود رابطة وثيقة بين القانون وعلم الاجتماع القانوني من ناحية، وعلم الاجتماع ذاته من ناحية أخرى. وتكون العلاقة تبادلية. فالعلاقة بين علم الاجتماع القانوني وعلم الاجتماع تتحدد من خلال استخدام النظرية الاجتماعية العامة التي تزود عالم الاجتماع القانوني بالمفاهيم الأساسية، وتزوده بأدوات البحث التي تُعنى ببحثه. مما يساعده لاحقًا في تطوير وتعديل وصياغة هذه النظرية برؤية جديدة خاصةٍ به، بعد الحصول على النتائج، ثم استخلاص المزيد من التعميمات العلمية المنبثقة عن التعديلات الجديدة على النظرية الاجتماعية. يمكن تطبيق علم الاجتماع في المجال القانوني وأنظمته من وجهة اجتماعية، كضوابط ذات ميزات تخص الدولة عند وصولها لمراحل متقدمة من النمو والتطور.

 يمكن لعالم الاجتماع أن يصيغ بحثه العلمي في مجال القانون كالآتي:
1. دراسة الآثار الاجتماعية الواقعية للمبادئ والأنظمة القانونية، بالتركيز على ما يحدث في القوانين لا الاعتماد على المضمون المجرد فقط.
2. عمل دراسات اجتماعية بحثية جنبًا إلى جنب مع الدراسات القانونية عند تحضير وتهيئة القوانين والتشريعات الجديدة، مع اعتبار القانون نظامًا اجتماعيًّا يمكن من خلاله إجراء التحسينات عليه من وجهة بحثية علمية.
3. عمل الدراسات بُغية تفعيل القوانين بشكل أفضل من ناحية اجتماعية، بدلًا من التركيز على الجزاءات والعقوبات بحد ذاتها فقط.
4. جعل دراسة التاريخ الاجتماعي أو الآثار الاجتماعية للمبادئ القانونية القديمة وتحديثاتها وتطويرها جزء من دراسة القانون.
5. دراسة القوانين لا كقوالب جامدة صلبة بل كوسيلة لتحقيق العدالة التجتماعية للجميع.

مما سبق، يمكن تلخيص تداخلات علم الاجتماع القانوني مع القانون في مجالات أربع هي: صياغة التشريعات، إصدار الحكام القضائية، قياس الآثار الاجتماعية للتشريعات، الأحكام القضائية، ودراسة العوامل الاجتماعية المؤثرة على ممارسة العدالة الاجتماعية القانونية وتطبيقها مجتمعيًّا.

نظرة واقعية على علم الاجتماع في الدول الغربية:
في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية يتم تدريس علم الاجتماع ضمن تخصصات القانون أو المحاماة، حيث توجد االعديد من المساقات المرتبطة به مثل علم الجريمة، القانون والحركات الاجتماعية، المرأة والقانون، القانون والمجتمع، السلوك المنحرف والرقابة الاجتماعية. يمكن للطالب اختيار دراسة تخصص علم الاجتماع مع التركيز بشكل خاص على القضايا القانونية، وذلك لمعرفة المزيد عن العلاقة بين علم الاجتماع والقانون. كما يمكن لمن درس علم الاجتماع متابعة دراسته في تخصص القانون فيما بعد أو اختيار الدمج بين التخصصين. يعما من اختار تخصص علم الاجتماع كمستشار اجتماعي في وزارة العدل، أو في المحاكم إن اقتضى ذلك. كما تسمح بعض الولايات المتحدة الأمريكية لمن درس علم الاجتماع أن يتولى وظائف قانونية أو اجتماعية في الحكومة على الفور (في الوكالات الحكومية الفيدرالية المختلفة والمحلية، أو في نظام العدالة الجنائية. يمكنه أيضًا العمل في شركات المحاماة، أو استكمال الدراسات العليا في القانون أو السياسة العامة.

علم الاجتماع هو في الواقع تخصص رئيسي مفضل من قبل معظم كليات الحقوق الأمريكية. لأنه يركز على دراسة بنية المجتمع وطبيعته المتغيرة. يتأثر القانون بعلم الاجتماع، بشكل مباشر أو غير مباشر، لذلك يعتبر التخصص إضافة استثنائية لأي تطبيق يمكن إجراؤه في كلية الحقوق، فعلى سبيل المثال، يمكن تطبيق علم الاجتماع في التدريب على القضايا الجنائية في سياق اجتماعي باختلاف صعوبتها. إذا درس الطالب تخصصًا ما في علم الاجتماع، وتخصصًا آخر في التحليل والبحث، فقد يكون من المرشحين المفضلين لكليات الحقوق في الجامعات المرموقة. فعلم الاجتماع تخصص واسع، يشمل مجموعة متنوعة من المسارات والتخصصات داخله؛ مما يفسح المجال جيدًا لاحتياجات الطالب المهتم بالتقدم إلى كلية الحقوق. تأتي العديد من برامج علم الاجتماع مع مسارات تخصصية تركز على التحليل والبحث، والتي ستفيد الطلاب عند التحضير لتعليمهم العالي بعد التخرج. نظرًا لأن علم الاجتماع يقدم دورات متطلِّبة في مجال التفكير التحليلي والكتابة والمهارات الشفوية، فعلى الطلبة أن يستعدوا جيدًا للالتحاق والتعلم في كلية الحقوق إن أرادوا ذلك، واستخدام تلك المهارات والمساقات لتطوير وتحسين أدائهم في كلية الحقوق.

من بين العوامل التي يجب على الملتحقين بتخصصات علم الاجتماع أخذها بعين الاعتبار عند دخول مهنة قانونية هو مقدار الوقت والمال الذي يرغبون في استثماره في تعليمهم القانوني. عادةً ما يُطلب من الأشخاص الذين يرغبون في أن يصبحوا مساعدين قانونيين الالتحاق بواحدة من أربعة أنواع مختلفة من البرامج الأكاديمية: كبرنامج الشهادة شبه القانونية، والتي قد تستمر من 6 أسابيع إلى 18 شهرًا أو قد ما نعتبره دبلوًما مهنيًّا، أو برنامج درجة الزمالة لمدة عامين، أو برنامج درجة البكالوريوس لمدة 4 سنوات، أو برنامج درجة الماجستير لمدة عامين. يجب على المحامين المستقبليين الالتحاق ببرنامج درجة الدكتوراه بدوام كامل لمدة 3 سنوات أو قضاء 4 سنوات في حضور فصول مسائية بدوام جزئي.

علم الاجتماع في الدول العربية:
في الدول العربية لا سبيل للطالب المتخرج من تخصص علم الاجتماع أن يكون محاميًا. إلا إذا قام  بإنهاء متطلبات البكالوريوس في علم الاجتماع، ثم استكمال البكالوريوس في القانون، بحيث يقلل عدد ساعات دراسة القانون بدراسته في نفس الجامعة التي حصل من خلالها على شهادة علم الاجتماع، ليقوم بحذف المواد المشتركة بين التخصصين. أي أنه سيدرس ما بين 3-4 سنوات علم اجتماع و2-3 سنوات قانون أو محاماة، حيث يعتمد ذلك على عدد الساعات التي يقطعها، وكم من المواد المشتركة التي  يمكنه حذفها في التخصص الجديد. في كل الدول العربية لا يمارس مهنة المحاماة إلا خريج تخصص القانون فقط. لذا إذا أردت أن تكون محاميًا، فادرس تخصص القانون دون الدخول في متاهات علم الاجتماع. إلا إذا أردت الاستفادة من كلا التخصصين بدراستهما معًا ولعدة سنوات. يمكنك أيضًا البحث عن جامعات تقدم التخصص المزدوج، أو التفريع ضمن التخصصات الرئيسية، والتي ستجعلك خبيرًا قانونيًا في علم الاجتماع فقط. لكن أكرر، قوانين الدول العربية خصصت مهنة المحاماة والترافع عن القضايا بمنتسبي وخريجي كليات الحقوق أو القانون فقط.