الأصل هو عدم جواز الفطر في رمضان بسبب العمل ولو كان شاقاً، فالشرع لم يربط جواز الفطر في رمضان بمجرد المشقة ، لأن هذه المشقة لا ضابط لها ولا حد يرجع إليه فيمكن لكل أحد أن يقول قد شق عليه الصوم ويفطر.
وإنما الشارع ربط الفطر بأعذار واضحة يسميها الفقهاء عللاً نص عليها ربنا تبارك وتعالى في كتابه وهي الفطر والسفر حيث جاء في آيات الصيام (فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر)، فذكرت الآية عذرين:
1. السفر، وقد ذكر العلماء ضابط السفر المبيح للفطر.
2. المرض، وقد ذكر العلماء أنه لا بد أن يكون مرضاً شاقاً يصعب معه الصيام، ويرجع في ذلك في رأي الطبيب الثقة.
وألحق بالمريض الشيخ الكبير والحامل والمرضع الذين يشق عليهم الصيام ويخشى عليهم الضرر منه كما ذكر عن الصحابة رضوان الله عليهم.
أما صاحب العمل الشاق فليس له ضابط يضبطه بل بإمكان كل أحد أن يقول إن عمله شاق ويصعب عليه الصوم معه، أو أنه بلغ مرحلة المشقة، وهذا سيجعل الصيام راجع لتقدير كل واحد وفي هذا إفساد للنظام.
لذلك فإنا نقول أن صاحب العمل الشاق يجب عليه الصوم ولا يجوز له الفطر لأنه ليس من أصحاب الأعذار المبيحة للفطر.
وعليه أن يراعي حرمة الشهر في ذلك ويحاول التوفيق بين الصيام وبين عمله، فإذا أمكن أن يأخذ إجازة خلال هذا الشهر فليفعل، أو استطاع تغيير وقت العمل أو طريقته أو استطاع تغيير طبيعة عمله، إلى آخر الحلول التي تمكنه من الجمع بين الصيام والعمل.
فعلينا جميعاً أن نعرف أن الدين مقدم على الدنيا، وأن الإنسان إنما وجد أصلاً للعبادة والعمل تبع ليمكنك من إقامة الدنيا والسعي فيها، فلا يصح أن نقلب الصورة ونجعل العمل هو الأصل الذي يمكن أن نفرط في الأحكام الشرعية لأجله.
ولكن مع ذلك كله نقول: إذا لم يمكن تغيير طبيعة العمل أو تعديل أي شيء عليه وكنت مضطراً لهذا العمل فلا نقول لك اتركه واجلس في بيتك اطلب من الناس واقبل الصدقات بل أبقى على عملك، واجتهد في الصيام وانوِ الصيام كل يوم، ومارس عملك، فإن حصل ووصلت أثناء النهار إلى حالة لا يمكن معها الصيام وخشيت الهلاك أو التعب الشديد الذي لا تسطيع معه الصيام أبداً، فيجوز لك الفطر والأكل والشرب بقدر ما يدفع الضرورة عنك، وعليك قضاء هذا اليوم لاحقاً في وقت يصبح فيه الصيام أيسر وأخف لقصر النهار.
وعليك كل يوم أن تنوي الصيام وتجتهد في الصبر ولا تنو الفطر من أول النهار وإنما فقط تفطر عندما تصل حالة الضرورة، لأنه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والضرورات تبيح المحظورات.
والله أعلم بنيتك وصدقك وهل وصلت الحالة التي تبيح لك الفطر، واعلم أن الصيام واجتهادك في الطاعة سبب من أسباب البركة في رزقك وتيسير أمورك فاحرص عليه.
والله أعلم