هل يمكن أن أكون متنمراً دون أن أشعر؟

1 إجابات
profile/مغيداء-التميمي
م.غيداء التميمي
مهندس مدني
.
٠٧ مارس ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
أغلبنا مر بمواقف المضايقة من قبل الآخرين، أو التعرض للنقد باستمرار، أو أن يقوم شخص بإحراجنا أمام الآخرين عن عمد، و عند شعورنا بالضيق او الاستياء نتيجة هذه التصرفات، نسمع منهم العبارات المتكررة مثل: 

"هل غضبت فعلا؟"
"لماذا تأخذ الأمور بطريقة شخصية؟" 
"لماذا لا تتقبل النقد؟" 
"ألم تفهم أنني أمازحك؟"

الجمل السابقة تشكك بنفسك، وتحفز حوارا داخليا في رأسك، فتسأل نفسك إن كان الطرف الآخر يسيء لك، أم أنك أنت المخطئ بالفعل وتضخم الأمور كما يدعون، وللأسف الشديد عادة ما يحسم هذا الصراع  لصالح الطرف الآخر، فتصدق أنه كان يمزح معك ولا يقصد الإساءة. ولذلك، يعاود الطرف الآخر الكرة، ويستمر في مضايقتك بنفس الطريقة، فلا تميز ما إذا كان نقده لك نقدا بناءا أو مزاحا عاديا، أو تنمرا جارحا.

التنمر من المواضيع التي أحب أن أتكلم عنها، قد يكون ذلك بسبب أنني مررت به شخصيا في المجال المهني في مكان عملي، وعشت مشاعره، وتمكنت من مساعدة نفسي على الخروج منه والتخلص من الشعور السلبي الذي سببه لي، ولأن للتنمر علاقة وطيدة بنقص الثقة بالنفس والاستحقاق الذاتي وهي مواضيع تجذب انتباهي على الدوام.

والآن، كيف تستطيع أن تميز بين النقد والتنمر؟ 

عندما أقابل صديقتي، وأرى أن ربطة حجابها لا تعجبني، فأن أخبرها بأن حجابها ليس مرتبا، و أخبرها بأن عليها ترتيبه بطريقة مختلفة في المرات القادمة، و عندما أقابلها ثانية أخبرها بأنها تبدو أنيقة، وفي المرة الثالثة نتحدث في مواضيع أخرى مختلفة. في هذه الحالة لا أكون شخصا متنمرا، لأن التنمر يعني أنني كلما التقيت بصديقتي، فإنني أذكر لها أكثر الأمور التي تعانيها وتشعرها بعدم الثقة بنفسها وأتعمد بمصارحتها به بطريقة متكررة.

اي ان النقد قد يحصل مرة أو اثنتان، أما التنمر فهو يأخذ صفة التربص والنقد الدائم والمتكرر عن قصد بقصد المضايقة وعادة لتحقيق التنمر يكون هناك اختلاف في القوة، أي أن المتنمر يتمتع بصفة قوة اكبر من الشخص الآخر، كأن تتنمر الأم على ابنتها، فالأم مكانتها عالية ومكانة الابنة أقل منها، أو تنمر المدير على الموظف الذي يعمل عنده،  فكأن المتنمر يعطي نفسه الحق في التنمر على فلان لشعوره بأنه أعلى منه بصورة أو بأخرى.

باعتقادي الشخصي، أرى أننا كلنا متنمرين بشكل أو بآخر، فالتنمر قد يحدث بين الزوج والزوجة، أو بين الأب والأم وأبنائهم، أو في المحيط العائلي، أو في المجال المهني، أو بين الإخوة، أو بين المجتمعات، أو بين الجنسيات المختلفة، إذا التنمر قد يحصل بشكل يومي وفي جميع المجالات. 

قد يعترض البعض على رأيي، و يراني ظالمة، فلا يمكن للأم أن تتنمر على ابنتها، إلا أنه في الحقيقة موجود فعلا، بعض الأمهات جاهلات ولا يمتلكن الوعي الكافي بأهمية نفسية الطفل، كالأم التي تتنمر على ابنتها ذات الوزن الزائد، أو الأب الذي يوصف ابنه بالغبي أو الكسول بسبب عدم قدرته على اتخاذ القرارات أو أنه غير قادر على تحمل المسؤولية كما يجب، أو أنه ليس بمهارة فلان أو علان في مجال كذا وكذا والمجتمع الذي يتنمر على لقب المطلقة أو الأرملة أو العانس و المتأخرة في سن الزواج، هي أمور للأسف  متكررة وموجودة في جميع الطبقات.

التنمر أنواع، منه الجسدي، كقيام الأب بقرص أذن ابنه، أو ما يقوم به طلاب المدارس تجاه طالب بعينه من ضرب بشكل يومي، وقد يكون تنمرا لفظيا، اي بالكلام، كلما ترى شخصا معينا تقوم بنقده و ذكر أكثر الأمور التي تعيبه، وقد يكون تنمرا نفسيا، وهو ليس باللفظ ولا بالإيذاء الجسدي، بل هو تنمر صامت، وتتمثل في نظرات الاحتقار، أو تركيز النظر على جزء معين من جسدك أو على قطعة معينة ترتديها، مما يجعلك تشك بنفسك وترتبك، أو بالصمت العقابي وهو ما يقوم به شريك الحياة في بعض الأحيان، لعلمه بأن الآخر يتضايق من المخاصمة المتكررة، فيكون التنمر بأن يبعد شريكه عنه نفسيا. ويعتبر التنمر النفسي أخطر أنواع التنمر.

 نفسية الشخص المتنمر غير سوية، يمتلك إحساس بالدونية بطريقة غير عادية، فيختار شخصا ضعيفا و يستخدمه ليرفع نفسه من هذه الدونية، ويشعر بالنقص باستمرار، ويعول قيمته الذاتية والنفسية دائما على رأي الآخرين به ونظرتهم له. 

أما نفسية الشخص المتنمر به، فهو شخص على الأغلب عنده مشكلة عويصة في الرفض، ولا يعرف كيف يقول "لا" و يخشى رفض الآخرين له، وعنده إحساس بأن عليه أن يرضي من حوله حتى ينال رضاهم فلا يرفضوا وجوده في حياتهم، ويقلق من عدم حبهم له، وأن يبعدوا عنه، وهوبكل بساطة شخص تلقى الأذى ورضي به لأنه لا يملك الثقة بنفسه.

عواقب التنمر بشعة جدا، أولها الأمراض النفسية والجسدية، كأن يصاب المتنمر به الشعور بانقباض القلب وزيادة نبضات القلب، أو نسيان الكلام والتأتأة، وهو أمر شائع، وكذلك التشنج الذي يسبب ألم الرقبة والأكتاف، أيضا من عواقب التنمر سوء النظرة الذاتية عن النفس، فيصبح الشخص لا يرى نفسه بعين نفسه، بل يراها بعين الآخرين المتنمرين. 

إن كنت تتعرض للتنمر، فاعلم أن الحل بيدك أنت، عليك دائما أن تكون واضحا مع الآخرين، و تشعرهم بأنك على دراية بحقوقك، وأن لديك الرغبة بأن يعاملوك بالطريقة التي تناسبك، حتى تنال احترام الناس لك، وإن رأيت أمرا لم يعجبك، عليك إيقافه فورا، وتعلم قول لا، ورفض ما لا يناسبك، وأن تحترم نفسك وتحقق الاستحقاق الذاتي، ولا تسمح لأحد بالإساءة لك أو تقليل أدبه معك، وأن لا تهتم لحكم الناس عليك، وعندما تقول لا، قلها بلا خوف، لأن واجبك تجاه نفسك هو أخذ الإجراء اللازم، والتسلح ضد الأذى الذي يهاجمك و يؤثر على نفسيتك سلبا ويغزو حدودك الخاصة، وأنت بهذا لم تكن قد ارتكبت خطأ ولم تخرق القانون، بل المتنمر هو من خرق القانون و بدأ بالإساءة وكما هو مذكور في شريعة حمورابي: "والبادي أظلم" ، كما عليك أن تعلم أنه ليس شرطا أن تنسجم مع جميع الأشخاص، ولا من الضروري أن يتقبلك الكل، فإما أن يقبلوك كما أنت، أو أنت بغنى عنهم. كما أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، فبدلا من الانشغال والبحث واستنزاف طاقتك على محاولة إرضاء الآخرين، قم بإرضاء نفسك أولا و أخيرا، كما أنني أنصحك ببناء سياج نفسي حول نفسك، ولا تسمح للآخرين بتخطي الحدود بينك و بينهم.