يصف الفلاسفة الوعي بأنه امتلاك إحساس فريد بالنفس مقرونًا بإدراك ما يجري حولك. قدم علماء الأعصاب منظورهم الخاص لكيفية قياس الوعي كميًا، من خلال تحليل نشاط دماغ الشخص أثناء دمجه وتفسيره للبيانات الحسية.
بيد أن تطبيق هذه القواعد على الذكاء الاصطناعي أمر صعب. وفي بعض النواحي، لا تختلف قدرات معالجة الذكاء الاصطناعي عن تلك التي تحدث في الأدمغة البشرية. إذ تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة عملية تسمى التعلم العميق لحل المهام الحسابية بسرعة، باستخدام شبكات من الخوارزميات الطبقية التي تتواصل مع بعضها البعض لحل المزيد والمزيد من المشاكل المعقدة.
هذه الاستراتيجية مشابهة جداً لما يحدث في أدمغتنا، إذ تتسارع المعلومات عبر الاتصالات بين الخلايا العصبية. وفي الشبكة العصبية، يمكّن التعلم العميق الذكاء الاصطناعي من تعليم نفسه كيفية تحديد الأمراض وكسب لعبة استراتيجية ضد أفضل لاعب بشري في العالم أو كتابة أغنية بوب.
لكن لإنجاز هذه المهام، ما تزال أي شبكة عصبية تعتمد على مبرمج بشري يحدد المهام ويختار البيانات اللازمة للتعلم منها. إن الوعي لدى الذكاء الاصطناعي يعني أن الشبكات العصبية يمكنها اتخاذ تلك الخيارات الأولية بنفسها، أي الانحراف عن نوايا المبرمجين والقيام بأمورها الخاصة.
ثلاث مراحل من الوعي
أفاد الباحثون في دراسة نشرت في أكتوبر 2017 في مجلة ساينس أن أحد العثرات التي تواجه الآلات التي تصبح واعية ذاتيًا هو أن الوعي لدى البشر غير محدد جيدًا بما فيه الكفاية، ما يجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على المبرمجين تكرار مثل هذه الحالة في خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
وعليه، حدد العلماء ثلاثة مستويات من الوعي البشري، استنادًا إلى عمليات الحساب التي تحدث في الدماغ. تمثل الأولى، التي وصفوها بـC0، حسابات تحدث دون علمنا كالتعرف على الوجه، ومعظم وظائف الذكاء الاصطناعي التي تحدث على هذا المستوى.
أما المستوى الثاني، C1، فينطوي على ما يسمى بالوعي "العالمي" بالمعلومات –وبعبارة أخرى، فإنه ينشط في المفاضلة بين كميات البيانات وتقييمها من أجل الوصول إلى اختيار مدروس استجابة لظروف محددة.
ويظهر الوعي الذاتي في المستوى الثالث، C2، الذي يعترف فيه الأفراد بالأخطاء ويصححونها ويحققون في المجهول.
وفي هذا الصدد، صرح عالم الأعصاب هاكوان لاو من جامعة كاليفورنيا، الذي شارك في تأليف "بمجرد أن نتمكن من توضيح الاختلافات البشرية بين الوعي وعدم الوعي بعبارات حسابية، قد لا يكون ترميز ذلك في الحواسيب بهذه الصعوبة."
ويمكن لبعض أنواع الذكاء الاصطناعي، إلى حد ما ، تقييم أفعالها وتصحيحها باستجابة –وهو عنصر من عناصر المستوى C2 للوعي البشري. لكن لا تتوقع أن تجتمع مع الذكاء الاصطناعي الواعي ذاتيًا في أي وقت قريب.
وفي حين أننا على مقربة شديدة من امتلاك آلات قادرة على العمل باستقلالية (سيارات ذاتية القيادة وروبوتات قادرة على استكشاف تضاريس غير معروفة وما إلى ذلك)، فإننا بعيدون كل البعد عن امتلاك آلات واعية.