هل سبق وتعرفت على فن مربك؟

1 إجابات
profile/ندى-ماهر-عبدربه
ندى ماهر عبدربه
دبلوم في Dental hygienist (٢٠١٨-٢٠٢٠)
.
١٩ فبراير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
عندما تخطو اولى خطواتك في اتجاه عالم الفنون وتبدأ سفينتك بالإبحار عبر تفاصيل الحكايا الداخلية التي تتخلل كل لغز عبر عنه الفنان من خلال الخطوط والألوان التي تعبر عن المشاعر و الاحاسيس المدفونة في طيات خياله الملطخ بمؤثرات الواقع، عندها سوف تقف حواسك عند عمل فني تشعر بأنه ينقل إليك رسائل مبطنة بغبار المشاعر ، و من الممكن ان  يكون شعور الارتباك يستحوذ على كيان كلماتها. 
الفن المربك برأيي هو الفن الذي يحمل مشاعر واحاسيس متصارعة في طيات النغمات الموسيقية التي تنقلك الى نقرات خطوات الفنان على أحد المسارح لتسدل الستارة، وتنغمس بعيدا عنها في بحر خطوط احدى اللوحات التي خطفت كيانك، و جعلتك حائراً بين تفاصيلها لتجعلك تتخبط بين القوافي الشعرية التي تجمعت لكي ترميك بسهام مشاعر الارتباك. 

لطالما اختلفت رؤية الأفراد للفنون و تحديدا فن الرسم، ولعلني من خلال تجربتي الفنية مررت ببعض اللوحات التي تنتمي الى نوع من انواع الفنون الذي ترك بداخلي شعور مربك عند رؤية اللوحات التي تجسده، ويرجع السبب برأيي الى القصة المختبئة بين تفاصيلها التي تنقل الصراع الداخلي للفنان الذي يعكس مشاعره ويرسلها الى المتلقي بكل شفافية. 
إن أبرز اللوحات التي اصابت قلبي بمشاعر الارتباك كانت موجودة في احدى المعارض الفنية التي تعرض مجموعة من الصور التي تجسد العديد من اللوحات التي رسمها أشهر الفنانين، حينها كنت اتجول باحثةً عن طريق يوصل افكاري الى طرف خيط الإلهام، الذي افتقدت اثره منذ ايام، كانت مشاعري مضطربة بعض الشيء بسبب تأخري عن إكمال مجموعة لوحاتي التي اجهزها لأحد المعارض الفنية، كانت هذه التفاصيل المربكة تأسر افكاري ولعل مازاد من شعوري هذا، حين رأيت تلك اللوحة المعلقة في زاوية المعرض، اقتربت منها و نظرت الى تفاصيلها السيريالية الخارجة عن المألوف وانتابني الفضول لقرأتها و معرفة تفاصيلها، كانت اللوحة تجسد العديد من المشاعر المضطربة حيث كان القلق والحزن يتخلل الخطوط، والألوان التي عملت على إزاحة الحواجز بين طرفي الواقع المرئي، والخيال المتخفي وراء الفكرة الفلسفية التي تعبر عن العذاب النفسي بصورة قوية.
تلك القراءة المربكة للوحة جعلتني أحاول معرفة تفاصيل حكايتها المحجوزة بين إطارها، مما جعلني ابحث عنها بشكل أوسع، وخلال بحثي اتضح أن وراء هذه اللوحة قصة مأساوية تحمل الأمل بين تفاصيلها، حيث ان هذه اللوحة رسمتها الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو حيث عبرت من خلالها عن معاناتها مع مرض شلل الاطفال الذي ابقاها طريحة الفراش لسنوات مما افقدها مشاعر الطفولة التي حاولت تعويضها من خلال الأوراق، و ريشة الرسم، و الالوان، ومن خلالهم استطاعت ترجمة لغة روحها و تحرير خيالها من قيود الواقع الذي تعيشه.
 
استطاعت فريدا ان تصف معاناتها و المأساة التي عاشتها من خلال هذه اللوحة و استطاعت تحويل الالم النابع عن تجربتها الشخصية واحساسها بالمعاناة الى لوحة تجسد المعنى العام للصراع الداخلي الذي عانت منه و نقلته عبر لوحتها الى المتلقي وتجعله يشارك بنسج تفسيرات متعددة تترك بداخله شعور الارتباك. 

تلك اللوحة تدعى "الفريدتين The Two Fridas" التي رسمت فيها الفنانة فريدا صورتين مختلفتين يمثل بورتريه شخصي يجسد صورتها حيث كانت هاتان الشخصيتان المتماثلتان في اللوحة يجلسان بجانب بعضهما البعض احدهما ترتدي الزي المكسيكي التقليدي على اليمين والأخرى ترتدي الزي الغربي الأوروبي، الغريب في هذه اللوحة و الذي جعلني أطلق عليها تعبير السيريالية عند قراءة تفاصيلها هو رؤيتي اليها للوهلة الاولى والتركيز الفنانة على ابراز صورة القلب على رداء الشخصيتان، وكأنها كانت تحاول اظهار مشاعرها من خلال هذه التقنية، حيث ان "فريدة" التي على اليسار تحمل نظرات ثابتة، وترتدي فستان أبيض ملطخ بالدماء و قلبها معرض لبعض الضرر، اما فريدة الاخرى التي ترتدي ملابس ملونة تحمل قلبا سليما متصل بشرايين القلب الآخر الذي ينزف، يمكن أن يكون ذلك للتعبير عن إمداده بالقوة و الصمود. 

الخلفية كانت ملبدة بالغيوم و التي برأيي تترك داخل المتلقي مشاعر الوحدة و العزلة من خلال ألوانها الباهتة، أما الشخصيات فقد كانت تمسك بأيدي بعضها دلالة على أن رفيق فريدا الوحيد هو نفسها التي جسدته على شكل شخصية اخرى داخلية تساندها و تمنحها القوة للتغلب على المصاعب التي واجهتها. 
لعل هذه اللوحة من وجهة نظري من أكثر اللوحات التي جسدت الجمال بصورة مربكة تعكس مشاعر متناقضة نابعة عن تجربة ذاتية للفنانة فريدا كاهلو التي جعلت من مشاعرها الداخلية بوابة تستنبط من عالمها فلسفتها الخاصة وتجسدها في لوحاتها التي تحمل للمشاهد مشاعر عديدة ولعل أبرزها الارتباك.