مخاوفنا في الحياة ستنقسم للمخاوف نمتلكها عن أفكار أو معتقدات نخاف من تحققها (ولقد
تحدثت مسبقًا عن أكثر ما يخيفني منها)، لكني أود أن أتطرق في هذه المرة للمخاوف التي تحفزها عوامل خارجية، ولصدمتي كانت كثيرة لكنها وبكل تأكيد معروفة.
منذ صغري كنت دائمًا أرفض اللعب بالزحلوقة المغلقة ذات الطول والمدى الكبير، فبالنسبة لي كانت مكان مظلم ومخيف جدًا وأشعر بأني أفقد أنفاسي في كل لحظة فيها. وأجد نفس دائمًا أبقى بعيدة من المرتفعات والأماكن التي تحتوي على المياه، كما أني أخاف من الحشرات الزاحفة ومن الكلاب.
قد شاهدت في أحد الأيام
أحد التجارب للعالم النفس
جون واطسون على الطفل الذي عرف باسم
ألبرت الصغير، وقد كانت هذه التجربة من أكثر التجارب إثارة للجدل في القرن الماضي، فقد قام
واسطون برفقة مساعدته بالقيام بتجربة على
ألبرت الذي بلغ في وقتها عمر أحد عشر شهرًا بقيامه بالطرق باستخدام قضيب حديدي عندما يقوم بعرض الفأر الأبيض على
ألبرت الذي لم يشعر في البداية بالخوف منه، وكانت ردة فعل الصغير البكاء بالطبع بسبب صوت الطرق.
قام
واسطون بتكرار هذه العملية لعدة مرات، ثم أظهر الفأر الأبيض
لألبرت دون الطرق بالقضيب الحديدي، لتكون ردة فعله الخوف منه. هنا استنتج العالم
واسطون -بغض النظر عن خلو التجربة من أدنى المشاعر الإنسانية- أن المشاعر قد تتحول لردود فعل متحكم فيها، حتى ولو تعرض الفرد لتجربة في عمر ينقصه الإدراك فيه.
هنا أدركت أن خوفي من هذه الأشياء يعود إلى طفولتي بمرحلة كان الإدراك عندي قليل جدًا أو منعدم، وأن خوفي من هذه الأشياء (التي تمثل الفأر الأبيض) هي ردة فعل لتجربة حفزت شعور الخوف عندي (التي تمثل صوت الطرق بالقضيب الحديدي).
فأنا فعليًا لست أخاف المرتفعات، لكنني مررت بتجربة كنت فيها في مكان مرتفع وأوشكت على الوقوع منه، وسبب خوفي من الأماكن المغلقة والمظلمة يعود في الواقع للروضة لأني قد علق أحد أبواب الحمامات المظلمة علي، وسبب خوفي من الحشرات هو الملاحقة اللا نهائية من أقراني وأخوتي بالحشرات التي قتلوها مدعين أنها ستقوم بأكلي، وخوفي من الماء يعود من اعتقاد أحد مدربي السباحة أن رمي طفلة صغيرة بطول ساقه في المسبح ذو عمق كبير فكرة جيدة، وبالنهاية خوفي من الكلاب يعود لمهاجمة أحد الكلاب لي كما حدث لمعظمكم.
إدراك أن الأمر الذي تخاف منه يعود لحادثة تعرف عنها أو لا تعرف عنها هو الخطوة الأولى للحل؛ فأنت لا تخاف من المرتفعات مثلًا أنت بكل بساطة تخاف من السقوط. وهنا تأتي أهمية مواجهة هذه المخاوف للتخلص منها أو التقليل من شدتها على الأقل، ولا تحتاج لمواجهة خوفك لساعات، أبدأ بمواجهتها لثلاث دقائق فقط مع الاهتمام لأخذ أنفاس عميقة للحفاظ على هدوئك، أثناء تذكيرك لنفسك أن الأمور التي تخاف منها غير حقيقية وهي مجرد ردود فعل عاطفية لتجربة سابقة.
وعند انتهائك من مواجهة خوفك قم بمكافئة نفسك بوجبتك المفضلةمثلًا لكسر الروابط السلبية المتعلقة بالمخاوف وصنع أخرى إيجابية تشجعك على المحاولة من جديد، وبإمكانك زيادة الوقت كلما كنت قادرًا على التكيف مع الوقت الحالي.
أنا شخصيًا واجهت خوفي من المرتفعات بركوب تلك الألعاب المخيفة في مدينة الملاهي مع أشخاص أحبهم لأكون قادرة على التركيز على الاستمتاع معهم بدلًا من التركيز على الخوف، وأحاول دائمًا النظر بشكل مباشر بأعين الكلاب التي أراها في الشارع، وأشجع نفسي قدر الإمكان على التخلص من الحشرات الدخيلة في غرفتي، ونزلت مسبقًا للعب بمسبح المدرسة بل وقفزت فيه أيضًا.
فبالنهاية الحياة على الطرف الآخر من الخوف، وليس من المفترض علينا انتظار أن يختفي الخوف من تلقاء نفسه؛ بل يجب علينا بمواجهته حاملين الشجاعة بكفة والخوف بالأخرى.